تفسير قوله تعالى: (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين)
﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر: ١٨].
قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرْهُمْ﴾ [غافر: ١٨] يقول جل جلاله لمن اختارهم للوحي، ولمن اختارهم للرسالة، ويقول لنبينا عليه الصلاة والسلام ويقص الله عليه عمله مع الأنبياء والمرسلين من قبله، بأن ينذروا يوم التلاق، وقال هنا: ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ﴾ [غافر: ١٨] والآزفة كذلك اسم من أسماء يوم القيامة، والآزفة من أزف يأزف إذا قرب، قال تعالى: ﴿أَزِفَتِ الآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾ [النجم: ٥٧ - ٥٨].
فأنذر الناس وهددهم وخوفهم وأوعدهم وتوعدهم يوم القيامة، وانصحهم بذلك؛ لعلهم يتوبون ويئوبون ويوحدون.
﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ﴾ [غافر: ١٨] وذلك من شدة الفزع، فمن الهول ومن الكرب فالقلوب تصعد إلى الحناجر، وتكاد تخرج للفم، ولكنها لا تخرج ولا ترجع لمكانها، فتبقى على هذه الحال، والإنسان لا يموت، فلا القلب رجع لمكانه من الصدر، ولا خرج من فمات واستراح، فيظل القلب باقياً للوجع وللرعب والهلع؛ نتيجة هذا اليوم العظيم.
﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر: ١٨] والظالمون هم الكافرون.
وأما المؤمنون فيجدون الأنبياء يشفعون لهم، والصالحين من الآباء ومن الشيوخ ومن الأقارب ومن الأصدقاء يشفعون للمؤمن الموحد، وأما الظالم المشرك الكافر بالله فيقول الله فيه: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ﴾ [غافر: ١٨] أي: من قريب، كابن عم أو أخ.
﴿وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر: ١٨] ليس له قريب يطاع في شأنه ويتلطف له، ويشفع له، ولا شفيع من غير الأقارب يشفع للظالم؛ لأنه لا شفاعة إلا للمؤمن، ولا شفاعة إلا بإذن الله، وإلا لمن ارتضى الله.
وأما غير المؤمن فلن يشفع، ولن تقبل له شفاعة، قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، ولن يشفع إلا من ارتضى، ومن سوى المؤمن لا يشفع ولا تقبل له شفاعة، وهو لا يستطيع أن يشفع لنفسه فينقذها من عذاب النار قبل أن يشفع لغيره.


الصفحة التالية
Icon