تفسير قوله تعالى: (إلى فرعون وهامان وقارون)
قال تعالى: ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر: ٢٤].
أرسل الله تعالى موسى إلى هؤلاء القادة من فراعنة وأقباط مصر في جاهلية مصر، أرسله بالآيات البينات وبالدلائل الواضحات، بالمقبول من المعقول ومما لا يدفعه عقل سليم، وبالمعجزات التي كانت من القمل والضفادع والدم والطوفان، فما زادهم ذلك إلا إصراراً على الكفر وتكذيباً لنبييهم موسى وهارون.
قوله تعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ)) السلطان: الحجة والدليل القاطع مع الحجة الواضحة البينة التي لا ينكرها إلا أعمى والبصيرة قبل أن يكون أعمى البصر، لمن أرسله؟ إلى فرعون الذي قال يوماً: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ [النازعات: ٢٤]، وإلى هامان وزيره الذي كان له حظ في ذلك، وآمن به رباً وخالقاً رازقاً، وإلى قارون الذي كان أغنى إنسان في حياته وعصره؛ حيث كانت مفاتيح خزائن أمواله تنوء بها العصبة أولو القوة، أي: أن الجماعة القوية كانت تعجز عن حملها مجتمعة في وقت واحد، أرسل لهم موسى وإذا به عندما جاءهم ببيناته ومعجزاته يكذبونه، وأول معجزة له ما قيل لفرعون: إن رجلاً من بني إسرائيل سيكون سبب القضاء على ملكك ودولتك وقوتك، فأمر بقتل جميع الولدان التي تولد من الإسرائيليات، ثم بعد ذلك وقعت الشكوى من قومه بأن قتلك لهؤلاء فساد للعبيد والإماء والخدم، ولكن اقتلهم سنة وأبقهم سنة، ففعل ذلك، فولد موسى في السنة التي يقتل فيها الأولاد، فأوحى إلى الله أمه أن تضعه في صندوق وأن تنبذه في البحر، وإذا به يسري إلى شواطئ قصر فرعون، فتلتقطه الجواري، فتذهب به إلى امرأة فرعون، فتتخذه ولداً، وكانت عقيماً لا تلد، ولم يكن لفرعون ولد لا منها ولا من غيرها، فسرت به المرأة، وعندما جاء فرعون أرته إياه، فرجته بأن يبقيه على حياته وهي لا تعلم أنه إسرائيلي، وهكذا نشأ في داره وفي حصنه، ويأكل من طعامه، وهو من سيدمره ويقضي عليه، ويكون القضاء المبرم الأبدي إلى حد الغرق هو وقومه ودولته وألوهيته الزائفة على يديه، وهل هناك معجزة أكثر من هذه! مع حرصه على أن يستأصل شباب بني إسرائيل جميعهم.
قوله: ((إِلَى فِرْعَوْنَ)) أي: أرسل الله موسى ((إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا)) أي: جمعيهم، أما فرعون فكان ملك الأقباط، وهامان منهم، وأما قارون فكان يهودياً.
قوله: ((إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا)) أي: كلهم قالوا ذلك، وقال ذلك معهم أقوامهم.
قوله: ((فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ)) أي: المعجزات التي أتى بها موسى قالوا: هي سحر وشعوذة، وقصة السحر وإتيان السحرة مضت، وعلمت بدقائقها ودلائلها، وبظواهرها وبواطنها، وقالوا: كذاب كذب في دعوى الرسالة والنبوءة.