تفسير قوله تعالى: (وقال فرعون ذروني أقتل موسى)
قال تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: ٢٦].
على عادة الحاكم الظالم عندما يعجز عن الدليل والبرهان يرجع إلى سلطته وقوته، فيحاول أن ينتقم من الضعاف، ولكنهم وإن كانوا ضعافاً في الأبدان والمال إلا أنهم أقوياء وأعزاء بالله، ويأبى الله إلا أن يعز من اعتز به، وأن يذل من انتصر بغيره، فمن اعتز بالله عز، ومن انتصر بغيره ذل.
قال فرعون: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ [غافر: ٢٦] معناه: أنه قد كان آمن بعضهم وكتم إيمانه، وهذا ما سيقوله الله لنا، فعندما أراد فرعون أن يقتل موسى وهو يعتبره ولده، حيث نشأ في بيته وقد عقه وقام في وجهه، فقال رجل مؤمن: يا فرعون! أتقتل هذا وهو يدعي النبوة؟! قد يدعو عليك وعلى دولتك وسلطانك، فلا يبعد أن يستجيب الله له، فقال لهم فرعون: (ذروني) أي: دعوني واتركوني ولا تخالفوني ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ [غافر: ٢٦] أي: من عسى أن يدعوه؟ ومن هو هذا الرب؟ ألست أنا ربكم الأعلى؟ قال ذلك هذا الضال المضل الأخرق المجنون! واستدل بقوله: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف: ٥١] وهي جزء من ألف جزء من آلاف الأرض التي يحكمها الله، وهذه الأرض حكمها فرعون لحكمة أرادها الله، فأراد أن يستعلى بها إلى مقام الألوهية.
وأحد خلفاء بني العباس وهو يتلو كتاب الله وصل إلى هذه الآية فقال: أنا أملك الدنيا، فأرى السحاب في السماء فأقول لها: أمطري حيث شئت فإن خراجك سيأتيني، ومع ذلك أبيت الليل أبكي وأمرغ وجهي في التراب، وأقول: رب اغفر لي ذنبي، رب لا تأخذ علي، سامحني واغفر ذنبي، ولا تأخذني بذنوبي، وما يخطر على بالي يوماً أن أتعالى على الله في شيء، وما مصر إلا جزء من بلدي، والله لأولينها أفقر العباد، فولى عليها كافوراً الإخشيدي، فكان حكم كافور في غاية ما يكون من العدل والنظام والأمن والإنصاف بما لم يحكمه فرعون ولا من جاء على طريقة فرعون من بعد.
﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ﴾ [غافر: ٢٦] أصبح فرعون يعد ويهدد؛ لأنه خاف على دينه، وهو كونه إلهاً وكون البشر عبيداً له، ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ﴾ [غافر: ٢٦] أي: أن ينهي الوثنية والصنمية ويحول الشرك إلى التوحيد، والإيمان بالله.
﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: ٢٦] وما أشبه اليوم بالأمس! اعتبر فرعون الفساد هو دين الله، واتباع الأنبياء، والإيمان بكتب الله، وهكذا اليوم أصبحنا نسمع فيمن أصبحوا عبيداً لليهود يجتمعون على حرب الإسلام والمسلمين، ويقولون: لا دين في الدولة، والقرآن يبقى في المسجد، ومن حاول أن يتكلم عن دولة إسلامية أو جمهورية إسلامية أو أن يتكلم عن الدين في الجامعات أو في المؤسسات فيجعله عبرة، وقد كان من قبله أعظم منه سلطاناً وشأناً، ثم أصبح عبرة للمعتبر، وأضحوكة للناس يتسلون به في السمر، فكيف بهذا الحقير الذي دأبه الليل والنهار حرب المسلمين ولعنهم؛ والإشادة باليهود، فقد انعكست الآية، فقد كان اليهود عبيداً لمصر، فيحاول هذا المجرم أن يجعل مصر عبيدة لليهود، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: ٢٦] خافوا من النبيين الكريمين الجليلين موسى وهارون أن يظهرا الفساد في أرضهم، والفساد في نظره هو: الإسلام والإيمان وعبادة الله الواحد.
والإيمان في نظره: هو الشرك والوثنية، والفسق، وسفك الدماء، والظلم والبغي، وأكل أموال الناس بالباطل، وهكذا اليوم أصبح الإسلام يحارب بهذا الاسم: أنه فساد وإرهاب، وأما الشيوعية فعلى زعمهم وكذبهم أنهم يحاربونها وهم لا يحاربون إلا الإسلام، وتسمع بين الزمن والزمن أن بعض مسلمين يعلقون في المشانق، ويضربون بالرصاص، ويخلدون في السجون، والكل يسمع ماذا حصل للجماعات وفئات من المسلمين؟ فذهب فرعون الأول وجاء فرعون الحقير الثاني، فجعل الناس في عذاب وهلاك وهوان، ولكن يأبى الله إلا أن ينصر دينه ولو كره الكافرون ولو كره المشركون، وكم قد ضمت هذه الأرض من كفرة ومن أدعياء ومن فراعنة ومن هامانات وقارونات! وماذا كانت النتائج؟! دمروا جميعاً ولم يبقوا إلا خبراً من الأخبار، وهم بين يدي الله في لعنة دائمة وعذاب دائم، وأصبحوا لعنة اللعانين وسخرية الساخرين.


الصفحة التالية
Icon