تفسير قوله تعالى: (فوقاه الله سيئات ما مكروا)
ثم قال الله تعالى بعد ذلك: ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ [غافر: ٤٥].
كأن الله تعالى يقول: هذا الرجل الداعية إلى الله، الذي قال كلمة حق عند سلطان جائر كافر ظالم، قد وقاه الله وحفظه من المكر الذي أرادوا به، فقد أرادوا عذابه وقتله وحرقه، وأرادوا أن يجعلوه عبرة لكل من أراد الإيمان والإسلام واتباع موسى وهارون.
ولكن الله قد قال: ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا﴾ [غافر: ٤٥] (سيئات) جمع سيئة، و (مكروا) أي: تحايلوا على البطش به، ولقد كانت سيئات لا سيئة واحدة، فقد فكروا في قتله، وفي حرقه، وفي تقطيع أوصاله، وفي أنواع من البلاء والعذاب إلى القضاء عليه، كما سبق أن فعل فرعون مع السحرة الذين آمنوا بموسى، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وصلبهم على جذوع النخل، ولكنهم بقوا مصرين على الإيمان، وقالوا له كما حكى الله عنهم: ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [طه: ٧٢] أي: ليست الدنيا دائمة لك، وليست إلا متاع، والسعيد من صبر على لأوائها وبلائها، والشقي من لم يصبر على لأوائها ولا بلائها؛ فكفر بالله وأشرك به ما لا علم له به.
وقوله تعالى: ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ [غافر: ٤٥] أي: أحاط بآل فرعون، وآله من أسرته وأتباعه ونصرائه: المؤمنون به والعابدون له، فكلهم آله وأتباعه وأنصاره، وهؤلاء هم الذين كانوا ضد هذا المؤمن، وكانوا حرباًً عليه، والذين استجابوا لفرعون ولرغبته في قتل موسى عليه السلام؛ لدعوته إلى أن يعبد الله وحده، فكأن الله قال: الحفرة التي حفرها فرعون لهذا المؤمن وقع فيها فرعون.
فمعنى: ﴿حَاقَ﴾ [غافر: ٤٥] أي: نزل وأحاط بهم إحاطة السوار بالمعصم، فأصبحوا محاطين به من كل جانب، سواء أكان بالعذاب الذي في الدنيا، والذي ذكره الله في كتابه، أم بعذابه في الآخرة، وهو الخلود في النار.


الصفحة التالية
Icon