نصر الله لأوليائه وحفظه لدينه
عندما توفي النبي عليه الصلاة والسلام زعموا أنهم قضوا على الإسلام، وعندما ارتد من ارتد، وادعى النبوءة من ادعى، وحرف في الأركان من حرف، فرحوا للكبر الذي في نفوسهم، وإذا بالله الكريم يسلط عليهم خليفة نبيه، الخليفة الأول: أبا بكر رضوان الله عليه، ففي خلال سنتين لم يبق من هؤلاء نفس يتحرك، وصاروا بين قتيل وشريد وطريد خارج جزيرة العرب، وعاد الإسلام لقوته ولسلطانه، وعاد لانتشاره في بقاع الأرض.
ثم جاء عمر فأخذ ينشره أيضاً في البقاع والأصقاع، ثم جاء بعد ذلك قتال في عصر بني أمية وعصر بني العباس وعصر بني عثمان، فكان الصليبيون والتتار، وكان أخذ الكثير من بلاد الإسلام كغرب الأندلس، وما وراء البحار من أرض في الصين، ومن أراض في روسيا وما إلى ذلك، وكل مرة يظنون أن الإسلام انتهى، وإذا بهم هم الذين ينتهون، فقد كانوا في هذه الأرض التي دنست ونجست باليهود وحلفائهم وأنصارهم أعني: بيت المقدس، فأقاموا نحو مائة عام، وبعد ذلك جاء أمير صغير ما هو بعربي ولا قرشي، وإنما هو كردي، فنصره الله النصر العزيز المؤزر، فطرد كل هؤلاء إلى البحار وإلى بلدانهم، وعاد للأقصى مقامه، وعادت فيه الصلاة والإسلام، وذهبوا -أي: اليهود وأذنابهم- في أمس الغابرين، والتاريخ يعيد نفسه.
وجاء التتار فمزقوا وخربوا وقتلوا الملايين، فأين هم؟ من بقي أسلم، ومن ذهب فإلى جهنم، ومن مات من المسلمين فقد مات بأجله، وإن صحت شهادته فهو شهيد، وإن لم تصح فهو على ما هو عليه.
وهكذا بعد ذلك عاد الإسلام أقوى مما كان في العصر الثامن وبداية السابع ووسطه، فقد جاء محمد الفاتح وفتح الله على يده القسطنطينية التي طالما طمع الصحابة في فتحها عندما قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (ستفتحون مدينة نصفها على البر ونصفها على البحر، يقال لها: القسطنطينية، فنعم الأمير أميرها، ونعم الجيش جيشها)، فكانوا يطمعون أن يفعلوا ذلك، فابتدأ ذلك بقيادة أبي أيوب الأنصاري مضيف رسول الله عليه الصلاة والسلام فاستشهد عند الباب، وبقي هناك، وبعد قرون اشتغل المسلمون في حروب مع بعضهم، إلى أن جاء بنو عثمان فجاء منهم محمد الفاتح، ففتح القسطنطينية وجعلها دار إسلام.
ولذلك فاسمها: إسلام بول لا إسطنبول، وإنما تحرف الاسم، وبول: معناها (مدينة)، فسماها مدينة الإسلام، وهي إلى اليوم ولله الحمد مشاعة فيها المساجد، دائمة الصلاة والعبادة، وقد جاء من حاول أن يفسد أهلها ويعيدهم للكفر والردة، فما أعاد إلا نفسه ومن أغواه الله وأضله، وعادت البلاد إلى دين الله وعبادته، والأمر يزداد حسناً والإسلام انتشاراً، والناس عودة لدين الله أكثر مما مضى، ويوشك الأمر أن يتم بالتحالف وبالتآخي مع الدول والشعوب الإسلامية عرباً وعجماً، ليتم هذا مع فاتح القرن في نصرة الإسلام، وسحق اليهود والنصارى وحلفائهم المستسلمين لهم من المنافقين المرتدين، أعداء الله والإسلام.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ﴾ [غافر: ٥٦]، قالوا: إن الآية نزلت من أجل اليهود، أي: هم السبب في نزولها، والقاعدة الأصولية تقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فنزلت من أجل هؤلاء إن صح، فهؤلاء اليهود قد تكبروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطمعوا فيما لا مطمع فيه، طمعوا أن يغلبوه ويخرجوه من المدينة، فألبوا عليه العرب حال كفرهم، فجاءت غطفان، وجاء بنو تميم، وجاءت قريش من أرض الحجاز، وجاء آخرون من أرض نجد ومن بقية الجزيرة العربية، فكانت غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق، وهم يظنون أنهم سيغلبون رسول الله ﷺ ويقضون على إسلامه، وأن النبي الآخر الذي يكون في آخر الزمان سيكون يهودياً؛ لأنهم لم يؤمنوا بعيسى المسيح، وهم ينتظرون الآن الدجال ويقولون عنه: هو المسيح المنتظر، وهذا من فساد عقائدهم، وغضب الله عليهم، ولعنته الشاملة لهم منذ كانوا وإلى يوم القيامة.
فعندما بدلوا وغيروا وأذنبوا وحاربوا الأنبياء وقتلوهم وقاتلوهم قال الله عنهم: ﴿إِنْ فِي صُدُورِهِمْ﴾ [غافر: ٥٦]، والمراد بالصدر: القلب، أي: إن في قلوبهم وضمائرهم ﴿إِلَّا كِبْرٌ﴾ [غافر: ٥٦]، أي: تكبر وتعاظم، بأنهم سينتصرون على الإسلام، ويقضون على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.