أمر الله نبيه بشكره صباح مساء
قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾ [غافر: ٥٥]، العشي: هو المساء، والإبكار: الصباح الباكر، والمعنى: اشكر الله بقولك: سبحان الله، لا إله إلا الله، الله أكبر، وهناك صلاة الإبكار وهي صلاة الصبح، وصلاة العشي وهي صلاة العصر، كما قال الحسن البصري، وقال ابن عباس رضي الله عنه: دخلت في هذه الصلوات الخمس كلها.
فصلوات العشي ابتداء من الظهر إلى العصر إلى المغرب إلى العشاء، وتبقى صلاة الإبكار وهي الصبح، ولماذا صلاة الظهر في المساء؟ لأن صلاة الظهر تكون عندما تميل وتزول عن كبد السماء كما هو المعلوم؛ لأن الشمس عندما تصل إلى وسط السماء في هذه الحالة لا يبقى للشخص أو للشجرة أو للعود ظل عندما تنصبه؛ لأن الشمس قد وقفت، ثم تميل إلى العشي وذلك الميلان معناه: أن الشمس قد انحازت وقد زالت عن كبد السماء، ودخلت في وقت المساء ووقت العشي.
ومن هناك يستمر العشي إلى غروب الشمس، ويبقى إلى دخول جزء من الليل، ويشتمل ما بعد المغرب إلى العشاء، ونقول: ائتني غداً مبكراً، فيكون معناه: وقت صلاة الصبح.
يقول ابن عباس: الصلوات الخمس قد نص الله عليها في كتابه إشارة وتلميحاً وتصريحاً، والأمر هنا كذلك.
وقال سبحانه في مكان آخر: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: ٢٣٨]، فكأن الصلوات هي الستار لهذه الصلاة الوسطى، واختلفوا فيها، وهي صلاة العصر كما نص رسول الله ﷺ عليها في صحيح مسلم.
وهكذا اشتمل القرآن على الصلوات في أوقاتها الخمسة، وعلى الحج والصيام، والزكاة، والشهادتين في الدرجة الأولى.
وقوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ [غافر: ٥٥] أي: احمد ربك واشكره، وصل صلاة الشكر، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم الليل متهجداً حتى تفطرت قدماه وتشققت من كثرة القيام والسجود والركوع، فقالت أم المؤمنين عائشة مشفقة عليه من طول القيام: (أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟)، فالله أمر بالشكر عموم المؤمنين، فكيف بسيد المؤمنين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولذلك قالوا: في هذه الفقرة من الآية الكريمة الأمر بصلاة الشكر.
وكأن الله يقول لنبيه: اصبر فالصبر ضياء، ووعد الله لك بالنصر وبهزيمة عدوك وسحقه حق.
وكأن معنى الآية: لقد غفر ذنبك فاستغفر لذنبك، وقد فعل واستغفر، فقد كان يقول عليه الصلاة والسلام: (إنني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة)، وفي رواية: (مائة مرة)، ومع ذلك إذا كان هذا حال المعصوم عليه الصلاة والسلام فكيف بالمذنبين الخطائين أمثالنا؟ فهو أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أمر لنا من باب أولى، أي: إن كان معصوماً يحتاج إلى الاستغفار فكيف يكون حال الخطائين أمثالنا؟! وإذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يستغفر ربه سبعين أو مائة مرة في اليوم فكم يجب أن نستغفر نحن ليغفر الله لنا؟! وكل ذلك قبله الله من نبيه، وغفر له ونصره وشجعه فقال له: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾ [غافر: ٥٥] أي: اسجد وصل صلاة الشكر، وما هي صلاة الشكر في الإسلام؟ هي الصلوات الخمس وما يتبعها من سنن قبلية وبعدية، وكذلك الصلوات الأخرى كالعيدين، وصلاة الجنازة.


الصفحة التالية
Icon