تفسير قوله تعالى: (إذ الأغلال في أعناقهم)
قال تعالى: ﴿إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾ [غافر: ٧١ - ٧٢].
الأغلال جمع غل، وهي الأكبال تكون في أعناق الكافرين يوم القيامة، وتربطهم الملائكة بالسلاسل يداً ورجلاً فيسحبون على وجوههم في الحميم، والحميم قبل جهنم، وهو: الماء الحار الذي وصل منتهاه، والماء الحار في جنهم شراب سكان جهنم، والحميم في الموقف يكون في ذلك اليوم كألف سنة مما تعدون، فيصل العرق إلى الأعناق وقد يغمر الوجوه والأبدان، فيشتد عطشهم، وإذا بهم يسحبون بالسلاسل وبالأغلال إلى الحميم.
هذا الماء الذي سيشربونه قد بلغ من الغليان ومن الحرارة منتهاها، فلا يكادون يشربونه حتى يشوي وجوههم ويلقي أمعاءهم في الأرض، فلا يبقي لحماً ولا جلداً إلا العظم، كما قال الله عنهم: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ [النساء: ٥٦] أي: جزاءً وفاقاً على شركهم بالله، وكفرهم برسالات الله، وعدم إيمانهم بالكتب المنزلة على أنبياء الله.
﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾ [غافر: ٧٠ - ٧١] والأعناق جمع عنق، والسلاسل في أبدانهم على أيديهم وأرجلهم وألسنتهم، فيجرون جراً إلى الماء الحار الذي بلغ في الغليان منتهاه، وما من أحد يشرب منه إلا ويلقي بأمعائه في الأرض، فيعيدها زيادة في عذابه وفي النار يسجرون، أي: يحرقون، فيكونون وقود النار وحطب جهنم، فتوقد بأجسامهم وبلحومهم، فيلقى فوج على فوج، والأبدان تعود مرة ثانية بعد أن كانت قد احترقت فيزداد نارها وجحيمها، وهكذا دواليك إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين.


الصفحة التالية
Icon