تفسير قوله تعالى: (الله الذي جعل لكم الأنعام)
قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [غافر: ٧٩].
أي: يا هؤلاء الذين تنكرون القدرة وأنتم ترونها بأعينكم وتسمعونها بأذانكم وتحسونها بأجسامكم: وفي كل شيء له آية يدل على أنه الواحد فكما أن الله أرسل المرسلين والأنبياء فهو ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [غافر: ٧٩]، والأنعام: جمع نعم، وهو جمع الجمع، والنعم جمع لا مفرد له من لفظه، وهي الإبل والغنم والبقر، فيذكر الله عن هذه الأشياء الثلاثة: أنه جعلها لنا للأكل والركوب، فالإبل للأكل وللركوب، والغنم والبقر للأكل.
وقد رأينا في الهند من يعبدون البقرة، ويعذبون الثور، فيركبون عليه ويحملونه الأثقال التي لا تحملها الجمال، وفي الحديث الصحيح: (أن بقرة شكت إلى رسول الله ﷺ أن صاحبها يشغلها فيما لم تخلق له) فيركبها ويحملها الأثقال وهي لم تخلق لذلك.
قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ﴾ [غافر: ٧٩] جعلها: خلقها وصيرها لذلك.
﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [غافر: ٧٩] أي: لتأكلوا من بعضها، والأنعام كلها تؤكل إبلاً وبقراً وغنماً، وأما الركوب فالذي نركبه منها هي: الإبل فقط، النوق والجمال، ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا﴾ [غافر: ٧٩] و (من) بعضية، أي من بعضها، ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [غافر: ٧٩] أي: وأكلكم منها، فنأكل من جميعها: من الإبل والبقر والغنم، وكل ذلك حلال جائز في هذه الآية.
قالوا: وفي الآية الأخرى ما يدل على تحريم أكل الخيل والبغال والحمير، إذ قال الله هنا: ﴿لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [غافر: ٧٩]، وقال عن الدواب: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [النحل: ٨] ولم يقل: لتركبوها ولتأكلوا منها، فهي لا تصلح إلا لذلك، فلا تؤكل خيل ولا حمير ولا بغال على ما للفقهاء من نزاع في بعض ذلك.