تفسير قوله تعالى: (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه)
قال تعالى: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ [فصلت: ٥].
أي: أنهم لا يسمعون ولا يريدون السماع، ومع ذلك فإنهم وبكل تحد وشرك وكفر يقولون: قلوبنا في أكنة، أي: إن القلوب التي تفهم وتعي وتحفظ وتسمع في أكنة: جمع كنان، أي: في أغطية مغلفة فهي لا تسمع، قد غطاها الران، ولذلك يقولون لأنبيائهم وخلفاء أنبيائهم من العلماء والدعاة إلى الله: لا تسمعونا فنحن قلوبنا مغلّفة لا تسمع ولا تحفظ ولا تعي.
فالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يدعونهم إلى لا إله إلا الله وإلى الإسلام وإلى التزام الحلال وترك الحرام، وإلى الآداب وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإلى مؤاخاة كل مسلم ومعاداة غير المسلم؛ وهم يقولون لهم: دعوتكم إلى التوحيد والحلال والحرام والرقائق والآداب لا تسمعها قلوبنا ولا تفهمها، فهي مغلّفة ومغطّاة، فلا تتعبوا أنفسكم.
((وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ)).
أي: يقولون إن في آذانهم صمماً، والأصم لا يسمع، وآذاننا: جمع أذن، وقر أي: ثقل وصمم، فهم لا تسمع آذانهم ولا تعي قلوبهم.
﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ [فصلت: ٥]، أي: بيننا وبينك يا محمد! حجاب من الكفر ومن الفسق، فقد حجبوا أنفسهم خلف الكفر فكفروا بالله وبكتابه وبرسالة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فحجبوا أنفسهم بالشرك وبالجحود وبالضلال وبارتكاب المعاصي والمخالفات على كل أشكالها وأنواعها.
﴿فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ [فصلت: ٥].
أي: اعمل على دينك وعلى توحيدك واصنع ما تشاء في نفسك.
((إِنَّنَا عَامِلُونَ))، أي: أنهم عاملون بكفرهم وبشركهم، وعلى حسب صممهم والأغلفة التي على قلوبهم والحجب التي حجبوا بها قلوبهم وعقولهم من الشرك والكفر عن سماع كلمة الحق والتوحيد.
وهذا وإن كان وصفاً للكفار المعاصرين فهو وصف لكل كافر قبلهم وبعدهم، وفي عصرنا شاهدنا هذا وعلمناه وعاشرنا أصحابه، فإنك إذا أسمعتهم كلمة الله وشعروا بأن الحاضرين على وشك أن يسمعوا ويفهموا ويتقيدوا به صاحوا: لا نريد أن نسمع، ونحن لا نعقل، وآذاننا لا تقبل هذا، هذا تخريف ورجعية! فالكفر واحد، ولذلك فالكافر يرجع لكفر آبائه وأجداده في الجاهلية.
والمسلم هو الذي يجدد الإسلام في كل حين ويبينه كما بيّنه السلف الصالح من غير تحريف ولا زيادة ولا تأويل.
((فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ))، أي: فليعمل النبي والمؤمنون على دينهم وبمقتضاه فإنهم سيعملون حسب ظنهم وكفرهم وشركهم، وحسب ما هم فيه من غضب ولعنة.