تفسير قوله تعالى: (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم)
قال تعالى: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [فصلت: ٢٣].
يجيب الله أولئك الذين يظنون أن الله يعلم شيئاً ولا يعلم آخر، أو أنه يعلم ما يعلنون ولا يعلم ما يخفون، فقال لهم: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾ [فصلت: ٢٣]، أي: أهلككم ودمّركم وساقكم إلى النار.
﴿فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [فصلت: ٢٣]، أي: من الذين خسروا دنياهم وآخرتهم وجهلوا دينهم فأشركوا بربهم.
وربنا جل جلاله يعلم ما كان وما يكون، وما أعلنا وما أسررنا وما أخفينا في الضمائر ولم ننطق به، فكيف لو قلناه؟ وهذا كما تقول جوارح الكافر له عندما يجادلها: إنكم لم تكونوا تختبئون وتستترون عن جرائمكم وشرككم وكفركم، فكيف تستغربون شهادتنا والكل يعلم أن كل هذا كنتم تفعلونه وتعلنونه وتجهرون به ولا تخشون الله ولا تخافون خلقه؟ ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾ [فصلت: ٢٣]، أي: وذلك هو الظن الخاطئ الذي خطر ببالكم واعتقدتم يقيناً أن الله يعلم شيئاً ويخفى عليه شيء، وذلك هو ظن الكفرة، فهذا هو الذي أهلككم وجعلكم كفاراً مشركين، فأصبحتم بهذا الظن الخاطئ وبهذا الكفر المعلن من الخاسرين، فخسرتم الدين والدنيا وخسرتم الدنيا والآخرة.
وقد قال رسول الله ﷺ في الحديث القدسي: (إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن عبدي بي ما شاء).
وقال الحسن البصري: من ظن بالله خيراً عمل صالحاً، ومن ظن بالله سوءاً عمل سوءاً، فالظن يكون مع العمل سواء كان خيراً أو كان شراً، فمن ظن خيراً عمل بمقتضاه وهو ظن المؤمنين، ومن ظن سوءاً عمل بمقتضاه وهو ظن الكافرين فالذين يظنون أنهم سيخفون أعمالهم عن الله ولن يعلمها ويقولون: قد غررنا الملائكة أو يظنون أكثر من ذلك، وهو أن يدخلوا الجنة فنقول لهم: هيهات هيهات! وما ذاك إلا من سخافة عقولهم وضياع دينهم، والله خير الماكرين، كما قال تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠] فالله هو الذي خلقهم ويعلم سرهم ونجواهم.


الصفحة التالية
Icon