بشرى أهل الاستقامة
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: ٣٠] جعلنا الله من أهل هذه الآية.
يقول تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا))، أي: شهدوا لله بالربوبية وبالوحدانية وبالألوهية، وبأنه الواحد الذي لا ثاني له لا في ذات ولا في صفة ولا في فعل، ثم بعد الإيمان بالله قلباً وجناناً نطقت جوارحهم بالعمل، ثم استقاموا، والاستقامة تكون بالجوارح وباللسان وبالعين وبالأذن وبالفم وبالشم وباليد وبالرجل وبالجسم كله، فلا يرى ولا يسمع ولا يمس ما يحرم عليه، ولا ينطق بلسانه إلا بخير لا بما يحرم عليه، ولا يشم رائحة إلا حلالاً، ولا يؤذي بيده ويصنع بها ما يحرم عليه، ولا يذهب إلى الأماكن التي تحرم عليه.
ولقد عرف رسول الله عليه الصلاة والسلام الاستقامة واشتهر تعريفها عن الخلفاء الراشدين وعن الصحابة الكرام وعن التابعين لهم بإحسان، فقد قرأ النبي عليه الصلاة والسلام هذه الآية: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)) ثم قال: (قالوا: لا إله إلا الله ثم استقاموا عليها إلى الموت)، ومعنى ذلك: أن النبي فسّر الاستقامة بالثبوت والدوام والاستمرار على الإسلام.
وأخبر بأنه سيؤمن أقوام ثم سيكفرون بربهم، وقد وقع هذا عند موت النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كفر أكثر أهل جزيرة العرب وارتدوا، فهؤلاء لم يستقيموا، ولو أنهم في أيامهم الأولى قاتل منهم من قاتل وجاهد من جاهد وتصدق من تصدق وحج من حج.
وقد قال تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] والمشرك يحبط عمله كله ويفسخ عقد زواجه، ويبطل حجه وصلواته وتلغى جميع أعماله الصالحة ولا يبقى أمامه إلا الكفر.
وعرّف أبو بكر الاستقامة فقال: الاستقامة: أن تقول لا إله إلا الله وأن تلتزم بآدابها.
أي: أن تعمل بمقتضاها.
وعرّفها عمر فقال: الاستقامة: أن تأمر بالمعروف وتفعله وأن تنهى عن المنكر وتنتهي عنه، وأن لا تتلاعب ولا تنزو نزو الثعالب.
أي: أن لا تزيد ولا تنقص في دينك بأن تُصبح مسلماً وتُمسي كافراً، مثل: أن تصلي وتجالس النساء التي حرّم الله عليك، أو تصلي وتعامل البنوك الربوية، أو تحج وتخرج النساء عرايا.
فلا تتلاعب تلاعب الثعالب، فإن الثعلب تجده أمامك، فإذا به خلفك وإذا به عن يمينك وعن شمالك، ودين كهذا دين ناقص.
وعرفها عثمان فقال: الاستقامة الطاعة.
وعرّفها علي فقال: الاستقامة هي عمل الفرائض والإتيان بها.


الصفحة التالية
Icon