معنى قوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله)
قال الله ربنا جل جلاله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٠ - ٣٢].
بعد أن عرض ربنا جل جلاله أقاويل الكافرين وجحود الجاحدين ذكر من هم أعلى من ذلك مقاماً، وهم من قد رضي الله عنهم والمؤمنون، فذكر هناك أهل النار وهنا أهل الجنة ووصفهم ونعتهم وعرّف بهم ودعا لمثل أعمالهم؛ ليكون من أراد الجنة ورضا الله على علم بالطرق الموصلة إلى ذلك، فقال ربنا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠].
فقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ)) أي: إن الخلق والقوم والجن والإنس ((الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ))، أي: اعترفوا بالله رباً وإلهاً وخالقاً وواحداً وقادراً على كل شيء، ثم بعد أن آمن لسانهم عملت جوارحهم فاستقاموا على الطريقة المثلى اللائقة بالموحدين والجديرة بمن يقول: ربنا الله، لا كأولئك الذين أشركوا بالله وعملوا على معصيته ومخالفته ومخالفة كتبه ورسله الذي أرسلهم.
والاستقامة هي العمل بالأركان وبالجوارح والقيام بالوظائف الإسلامية من صلاة وصيام وزكاة وحج، وهي التخلق بالأخلاق الكريمة والابتعاد عن الأعمال الذميمة، وهي فعل الخيرات وترك المنكرات وملازمة ذلك في الحياة إلى لقاء الله، فمن كان كذلك تتنزل عليه ملائكة الرحمن مبشرة له وبالفضائل وحسن العاقبة، كما قال تعالى: ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا﴾ [فصلت: ٣٠].
أي: تنزل عليهم بأن لا يخافوا العاقبة ولا النار ولا الغضب، فهم على طريق مستقيم، ولا يحزنوا على ما يتركون في الدنيا الفانية من ولد وديون وتبعات، فالله جل جلاله يبعث إليهم ملائكته؛ لكي لا يخافوا وليطمئنوهم بأن لا يخافوا العاقبة، فهم آمنون بوعد الله وآمنون من عذابه، وأن لا يحزنوا، أي: فلتقر أعينهم بما وعدهم الله به وبما بشّرهم من القيام بأولادهم وإغنائهم والقيام على خدمتهم وإلهامهم عمل الصالحات.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: ٣٠]، أي: أبشروا بكل خير وبالجنة التي وعدكم الله بها في الدار الدنيا في كتبه وعلى لسان رسله، فلهم الجنة منزل ومثوى ومقام خالدين فيها أبداً، لكم فيها ما تشتهي أنفسكم من أطايب ولذات وكرامات وكل ما لا يخطر في البال وفي النفس.
وقوله: ﴿وَلَكُمْ فِيْهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ [فصلت: ٣١] أي: ما تدعونه وتطلبونه يكون حاضراً لديكم.
﴿نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٢]، أي: فهذه ضيافة من الله ونزل من فضله، وهو تكريم من كرامته ومن رحمته بعباده المؤمنين.
قوله تعالى: ((نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ)) فهو غفور قد غفر لكم ذنوبكم، رحيم بكم، فقد أكرمكم بالجنة وبالرحمة وبالرضا.