تفسير قوله تعالى: (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا)
قال تعالى: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ [فصلت: ٣١]، أي: كما كنا أولياءكم وأنصاركم وأصدقائكم وأحبابكم في دار الدنيا حيث كُلِّفنا بكتابة أعمالكم في ليلكم ونهاركم، وفي حضركم وسفركم وإلى لقاء ربكم، فلن نترككم كذلك يوم القيامة، بل نبقى معكم إلى أن تتجاوزوا الصراط والحساب والعرض على الله وتدخلوا الجنة وأنتم مطمئنون آمنون فرحون بما آتاكم الله من فضله ومن خيره ومغفرته ورضوانه فتقول لهم الملائكة: ((نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا)) زيادة في البشريات.
قوله: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾.
أي: في الجنة كرماً من الله وعطاء غير مجذوذ، بل أبداً سرمداً إلى ما لا نهاية له ((وَلَكُمْ فِيهَا)) أي: لكم في الجنة ما تشتهيه أنفسكم ويخطر ببالكم وتحن إليه أنفسكم من كرامة الله ومن اللذات والطيبات، ومن كل ما يخطر لكم ببال مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وتطلبونه وتدعونه يحضر لكم، فما طلبتم ورغبتم فيه وجدتموه.
وتجدون الغلمان الذين كأنهم اللؤلؤ المكنون ينتظرون أوامركم ونواهيكم، وستجدون الحور العين والقصور الشاهقات والمياه التي تتخلل بين أيديكم ومنازلكم، وما تشتهونه من طير ومن لحم ومن فاكهة، ومن ماء غير أسن ومن خمر لذة للشاربين، ﴿لا فِيهَا غَوْلٌ﴾ [الصافات: ٤٧]، أي: ليس فيها ما يضيع العقل ويغيبه ويؤذي الجسد ويمرضه، فليس فيها أذى ولا مرض.
والغول كلمة عربية، ويقصد بها السكر والعربدة التي توجد في خمر الدنيا.
قوله: ﴿نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٢].
أي: حال كون ذلك نزلاً، أي: ضيافة ومنزلاً وعطاء وكرامة من الغفور الذي غفر ذنوبكم، والرحيم الذي رحمكم وأكرمكم بالجنة وبالرضا وبالرحمة، وهذه المنازل الطيبات والجنات الدافقات والبشريات من أنه لا حزن ولا خوف عليكم لا في آخرتكم ولا فيما خلفتموه من أولاد كلها بشريات أمر الله ملائكته قرناء ذلك المسلم أن يبشره بها، وكل ذلك كرامة وضيافة ومنزلة من الغفور الرحيم الكريم الحنان المنان التواب.