تفسير قوله تعالى: (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك)
قال تعالى: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ [فصلت: ٤٣].
يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ((مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ))، والآية تحتمل معنيين، وكلاهما قائم واقع وبأي معنى فسرنا فهو صحيح.
المعنى الأول: ((مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ))، أي: ما يقال لك من قومك من اتهام وشتائم وهجران وتكذيب قد قيل كل ذلك للأنبياء قبلك، فقد كذبهم أقوامهم وأنكروهم واتهموهم بالسحر وبالازدراء، وقالوا فيهم ما قالوا وعلى ذلك تكون الآية للتعزية والتسلية للنبي عليه الصلاة والسلام بأنه ما كان بدعاً من الرسل، فما جرى عليه من تكذيب الكاذبين وافتراء المفترين وضلال الضالين قد وقع لمن قبله من عيسى إلى نوح إلى آدم عليه السلام، فاصبر كما صبروا وتيقن كما تيقنوا، فالنهاية والنصر لك، والهزيمة لهمن كما قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١]، وكذلك كان للأنبياء قبل، وكان أيضاً لخاتمهم نبينا عليه الصلاة والسلام، فقد كان النصر له والهزيمة لأعدائه.
والمعنى الثاني: ((مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ))، أي: أن ما أتيت الناس به أن اتركوا الأصنام والأوثان واعبدوا الله الواحد وآمنوا بوحدانيته وبقدرته وبأنه القادر على كل شيء قد استنكروه، وقالوا وهم يتعجبون: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [ص: ٥].
ولم يأت محمد وحده بهذا عليه الصلاة والسلام، ولكن جميع الأنبياء قبله جاءوا بالتوحيد وبنبذ عبادة الأصنام والشركاء، وبالإيمان بالله الواحد وحده، وبأن هناك حياة بعد الموت في دار الخلود في يوم البعث والنشور إما في الجنة وإما في النار، فلم تأت إلى قومك وإلى الناس الذين أرسلت إليهم يا محمد! بشيء وبدع جديد، أي: إن التوحيد الذي جئت به قد جاءت به جميع الأنبياء قبلك، فالأصنام والأوثان والشركاء التي دست عليهم بنعالك جعلتهم تحت أقدامك؛ لم يكن هذا عملك فقط، بل هو عمل جميع الأنبياء قبلك، وما أنت إلا واحد منهم.
ثم قال تعالى: ((إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ)).
أي: إن ربك جل جلاله لصاحب مغفرة لمن استغفره وتاب إليه وآمن به، فهو يغفر ذنوبه ويكفر سيئاته، والإسلام يجب ما قبله، وهو ذو عقاب أليم لمن بقي على الكفر وأصر على عبادة الأوثان والشركاء، وجعل لله شريكاً ما أنزل الله به من سلطان.
وهذا المعنى ثابت في كثير من الآيات، بل به نزلت الأنبياء كلهم، وكلهم جاءوا بالإيمان بالله الواحد وبعبادته وحده وإفراده بالطاعة وبالعبودية.