تفسير قوله تعالى: (من عمل صالحاً فلنفسه)
قال ربنا جل جلاله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: ٤٦].
بعد أن توعد الله الكافرين وبشر المتقين قال عن هؤلاء وعن هؤلاء: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ))، وهم المؤمنون الأتقياء الذين استجابوا لربهم وأطاعوا نبيهم صلى الله عليه وسلم، فهم إنما يعملون الصالحات لأنفسهم، وهم الذين ينتفعون بذلك ويكرمون من أجل ذلك، فنفسهم خدموا ولأنفسهم قدموا.
والعكس بالعكس، ((وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا))، أي: ومن أساء الطاعة والعقيدة وكفر بالله وأشرك به وخالف رسول الله ﷺ وكذبه؛ فعلى نفسها جنت براقش! وكما في الحديث القدسي: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم لما زاد ذلك في ملكي شيئاً.
يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً.
يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد شراً فلا يلومن إلا نفسه).
وفي الحديث القدسي الآخر: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).
فالله جل جلاله لا يظلم أحداً، ((وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلِعَبِيد)) وظلام صيغة مبالغة، ونفيها نفي للكل لا للمبالغة فقط، بدليل قوله تعالى: ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩].
فنفى الظلم مطلقاً، وهو عموم يخص صيغ المبالغة وغير المبالغة، فالمعنى شامل لنفي الظلم في كل أشكاله، وعلى ذلك فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها.
والله عندما يدعونا لعبادته ولطاعته ويحذرنا عقوبته فذلك منه جل جلاله رحمة وإكرام، حتى إذا جاء الإنسان يوم القيامة ووجد الخير حمد الله وشكره على أن وفقه لذلك حال حياته، فإن وجد غير ذلك فتبقى الحجة البالغة لله، والمذنب والمشرك هو الذي تمرد وعصى ودمر نفسه وأوبقها بالمخالفات وبالشرك بالله.