الانتصارات التي حققها النبي وخلفاؤه الراشدون
مات النبي عليه الصلاة والسلام وانتقل إلى الرفيق الأعلى وقد أسلمت جزيرة العرب ولم يخرج الإسلام بعد عن الجزيرة، فخطط النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة تبوك للروم، ثم في غزوة مؤتة التي أرسل لها أربعاً من القواد: زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة فاستشهد الجميع وولي القيادة خالد بن الوليد سيف الله وذكر ذلك نبي الله للأقوام وقال: (استلم الراية زيد فاستشهد وجعفر فاستشهد وعبد الله فاستشهد وأمّر نفسه خالد ولم أؤمره وهو سيف الله المسلول).
وأوصى لـ أسامة بن زيد بقيادة الجيش الذي سيحارب الروم وينشر الإسلام في بلادهم، وتوفي النبي عليه الصلاة والسلام وهو يوصي: (ألا فأنفذوا جيش أسامة ألا فأنفذوا جيش أسامة، وأخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب، لا دينان في جزيرة العرب).
انتقل النبي ﷺ إلى الرفيق الأعلى فقام الخلفاء الراشدون بواجبهم تجاه الدين، ففي خلافة عمر نشر الإسلام للعوالم فما كاد يستشهد حتى نشر الإسلام في أرض الشام وأرض العراق وأرض فارس وأرض مصر وأرض البربر؛ فهم الذين كانوا رسل رسول الله ﷺ لنشر هذا الإسلام بعده.
فخلف من بعد ذلك خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وأنذروا من الله وقال لهم: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] فعاقبهم الله فتقاتلوا فيما بينهم وكان بأسهم بينهم شديداً، وسقط بسلاح بعضهم البعض مئات الآلاف، والذين لو بقوا لنشروا الإسلام في الكون ولما بقي في الأرض إلا مسلم يشهد بشهادة الحق: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
هؤلاء الذين خلفوا الأقوام الأول والقرون الثلاثة الفاضلة عهد الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من القرون التي قال عنها عليه الصلاة والسلام: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، قام الصحابة ثم التابعون ثم تابعوهم بنشر هذا الأمر فما كادت تمضي خمسون عاماً من القرن الأول حتى عم الإسلام الكون من الصين شرقاً إلى جبال برينيه في عمق أوروبا أرض فرنسا وما بينهما.
ولكن جاء بعد من تلاعب في الحكم الذي كان لكل مسلم الحق في أن يكون له الرأي والمشورة، وإذا بهم حولوها كسروية قيصرية كما تنبأ بذلك عليه الصلاة والسلام عندما قال: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يصبح الملك عضوضاً كسروية قيصرية)، وعندما تمرد من تمرد من البغاة الذين قال عنهم نبي الله في الحديث المتواتر: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار).
فهؤلاء القوم الذين شرّفهم الله بجعل الرسالة فيهم، وبجعل لغة القرآن ولغة الإسلام لغتهم، بعد ذلك انكبوا وتحالفوا مع كل عدو للإسلام من اليهود القردة والخنازير ومن الصليبيين عبدة مريم وعيسى، وأصبحوا يحاربون دينهم وكتابهم وشرفهم وعزّهم، وأصبحوا عبيداً لليهود وللنصارى ضاربين بالشرف الذي شرفهم الله به عرض الحائط.
قال ابن تيمية: العرب في أنفسهم سادة الناس، وتمت السيادة بعد ذلك في الجاهلية والإسلام حيث جعل الله الرسالة فيهم والقرآن بلغتهم، ولغة الإسلام بلغتهم.
وقال عنهم: كان العرب أرضاً خصبة تفتقد الزرع والزارع فكان الزرع الإسلام وكان الزارع محمداً عليه الصلاة والسلام، وإذا بها تؤتي من الخيرات والنور والشرف والهداية ما عم الكون، فكانوا أئمة الناس ومعلميهم، وكانوا هداة الناس، وكانوا الفاتحين القلوب للهداية والنور الذي جاء به سيد الخلق وخاتم الأنبياء عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وقوله تعالى: ﴿وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: ٤٤] أي: وسوف تسألون عن هذا الشرف في أخراكم، ما الذي صنعتم به؟ هل نشرتم دين الله؟ هل قمتم بما عليكم؟ هل نشرتم لغتكم التي جعلها الله لغة كتابه ولغة نبيه ولغة دينه؟ هل كنتم الأئمة والهداة جيلاً بعد جيل وعصراً بعد عصر إلى أن يصبح هذا الإسلام في كل العصور هداية الأقوام إلى يوم القيامة؟ وسيكون الناس يوم القيامة مسئولين عن أنفسهم، والعرب مسئولون مرتين: مرة في أنفسهم، ومرة عن هذا الشرف الذي شرّفهم الله به من كون لغة القرآن كانت لغتهم، والنبوة كانت فيهم، هل قاموا بما يجب عليهم فيها؟ والكفر قبيح من كل إنسان وهو أقبح عندما يكون فيمن ينتسب إلى العرب، أيليق بقوم محمد الذين شرّفهم الله بجعل القرآن بلغتهم ولكون النبي منهم أن يقاتلوا المسلمين ويحاربوا دينهم ويكونوا مع اليهود والنصارى على أنفسهم وعلى نبيهم وعلى كتابهم؟ قال قتادة في هذه الآية: (وإنه لشرف لك ولقومك) دخل في قوم النبي عليه الصلاة والسلام كل من قال: لا إله إلا الله، فقد شرفه الله بالإسلام، وشرّفه بهداية محمد عليه الصلاة والسلام، وأصبح في نفسه مطالباً بعد ذلك بنشر هذا الدين على حسب علمه وعقله وما قدّره الله عليه، قال الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [آل عمران: ١١٠].
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض وواجب على كل مسلم، وأكد هذا الفرض وزاد الآية بياناً نبينا عليه الصلاة والسلام، فهو لا يخاطب قومه فقط ولكن يخاطب كل المسلمين فقال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، أي: لا إيمان لمن لم ينكر الباطل بقلبه، وناقص الإيمان من يقدر على إنكار الباطل بيده فلم يفعل، وناقص الإيمان من قدر على إنكار الباطل بلسانه فلم يفعل، ولا إيمان لمن لم ينكر الباطل بقلبه؛ ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (وذلك أضعف الإيمان).
والإسلام شرف لكل مؤمن، وكما قال عليه الصلاة والسلام: (الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة) وأعظم نعمة كرم الله بها الإنسان أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن يكون من أتباع هذا النبي الكريم إمام الأنبياء وخاتمهم، وصفوة الخلق ملكاً وجناً وإنساً صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونحمد الله ونشكره بكل خلايا جسومنا أن جعلنا من أمته ومن أتباعه، وأدامنا الله على ذلك إلى لقائه يوم القيامة على الحوض وفي الجنان.