تفسير قوله تعالى: (فاستخف قومه فأطاعوه)
قال الله جل جلاله: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [الزخرف: ٥٤].
قال الله عن فرعون إنه كان ضالاً مضلاً، كافراً قذراً، ادعى الألوهية، ويدل هذا على فساد عقل وحرص على الكفر، وإصرار عليه، ولخفة عقول قومه وضياع نفوسهم آمنوا به وقبلوا كفره وتألهه فآمنوا به وهم يرونه إنساناً ولد من ذكر وأنثى، يجوع ويعطش، ويمرض ويصح، ويفرح ويحزن، وإنما لمجرد كونه ملك شبراً من الأرض تاه فيه وتجبر وظن وتوهم أنه بسببه سيستحق أن يكون رباً إلهاً.
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا﴾ [الزخرف: ٥٥] أي: فلما أغضبونا وأسخطونا وتجاوزوا حدهم في الكفر والتعلق بالباطل والاستشهاد بالهراء من القول ﴿انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ [الزخرف: ٥٥]، أي: عاقبناهم وجازيناهم بما هم له أهل حيث ادعوا ما ليس لهم، ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الزخرف: ٥٥] حيث كفروا بالله وادعوا ما ليس لهم من ألوهية ومن عبودية الناس لهم ومن باطل لم يدعه أحد في الأرض.
وإذا بالله يغضب ويسخط عليهم ويغرقهم أجمعين، وذلك عندما خرج موسى وهارون وقومهما من أرض مصر، وإذا بـ فرعون يصله الخبر فيخرج هو وجنوده وقومه ويسرعون في اتباعهم وفي الجري خلفهم، وإذا بالله الكريم يفعل لموسى وهارون وقومهما معجزة بأن يفتح لهم في البحر طريقاً يبساً ويصبح الماء كالجبال عن اليمين وعن الشمال فينجو موسى وهارون وقومهما ممن آمنوا بهما من بني إسرائيل، فلما رأى ذلك فرعون وقومه اغتروا بذلك ولحقوا بموسى وهارون، فلما احتواهم البحر وأصبحوا داخله أمر الله البحر عن اليمين والشمال بأن يعود كما كانا وأصبح فرعون وقومه غرقى داخل الماء فماتوا غرقاً وخنقاً، وسلم الله فرعون بجسده وأبقاه عبرة لمن جاء بعده، وأبقاه ليتعظ به وليكون عبرة للمعتبر، وهو لا يزال إلى اليوم في متاحف مصر، وإن كان مجهول العين ضمن مجموعة من الفراعنة المتألهين الماضين.