تفسير قوله تعالى: (ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين)
قال تعالى: ﴿وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الزخرف: ٦٢].
أي: يا أيها الناس! لا يصدنكم، وهذا نهي بـ (لا) الناهية، ومؤكد بالنون المثقلة، والمعنى: لا يصرفنكم الشيطان ولا يضلنكم ولا يبعدنكم عن الحق والطريق المستقيم فإنه لكم عدو مبين، فهو عدو للإنسان، وكان سبب خروجه من الجنة هو حسده للإنسان حيث خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته، ولحسده امتنع من السجود لآدم أبو الإنسانية، فخسئ ولعن، وبقي في الخزي إلى يوم البعث، وسيكون إمام أهل النار، والمقدم في النار فيأتي بعده أتباعه المؤمنون برسالته الكاذبة المزيفة.
فالشيطان لكم عدو ظاهر وواضح، حيث لا يأمركم إلا بالباطل، ولا ينهاكم إلا عن المعروف، ويدعو إلى الشرك والفساد بجميع أنواع التدابير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم)، ولذا علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نتعوذ بالله منه، وأن نقرأ المعوذتين: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق: ١]، و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: ١]، وأن نتلو القرآن، فالشيطان يفر من الأذان، ولا يتحمل سماع كلمة الحق: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا سمع ذلك أدبر وله ضراط من الفزع والرعب والهلع، إلا إذا استولى الشيطان على المسلم.
كان هنالك رجل كثير التلاوة للقرآن الكريم بالمسجد النبوي، وحافظاً للقرآن وقبل أن يموت بأشهر كان يشعر بأن الجبال على عواتقه، وكأن أحداً يمسك فمه فلا يستطيع أن يتلو القرآن أو يذكر الله، ولا يستطيع أن يصلي، فهذا قد استولى عليه الشيطان وتمكن منه.
وهذا دليل على أن نية هذا الرجل لم تكن صالحة، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من شب على شيء شاب عليه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يرى للناس، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).
فنسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ برضاه من غضبه، ونستعيذ بالله من السلب بعد العطاء.