تفسير قوله تعالى: (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون)
قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف: ٨٠]، أم يظن هؤلاء الجهلة الكفرة أننا لا نسمع سرهم ولا نجواهم؟ يقال: أن ساخرين من أهل مكة أخذا يطوفان بالكعبة ويقولان كلاماً كفرياً، فقال أحدهما للآخر: ترى أيسمع الله قولنا؟ فقال الآخر: إن نحن أضمرناه سراً لا يسمع، وإن رفعنا به صوتنا سمعنا، فقال الأول: إن كان يسمع السر فهو يسمع العلن، فإذاً لا مفر.
فالله قال لهما من باب المناظرة وقال للجهلة الذين لا يدركون: ((أَمْ يَحْسَبُونَ)) أي: أم يظنون، ((أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ)) عندما يسرون قولهم الكفري، ﴿بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف: ٨٠] أي: ليس هو السماع فقط، بل هناك التسجيل والتدوين، فرسلنا الملائكة -ملائكة الله- من على اليمين وعلى الشمال عزين، فالذي على اليمين يكتب الخير والذي على الشمال يكتب الشر من القول والفعل والعمل، ولكن رحمة الله بعباده المؤمنين أن السيئة لا يكتبها إلا إذا فعلت، وإذا لم تفعل تكتب حسنة، والحسنة إذا نويت ولم تفعل كتبت حسنة، وإذا فعلت كتبت عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله، حسب مقام تلك الحسنة من نشرها، ومن عموم نفعها، ومن إخلاصها، ومن كبرها وعظمتها، وما إلى ذلك.
فالله يسمع السر والجهر، ولا يخفى على الله شيء مما تتحدث به الأنفس، فالملائكة الكتبة يكتبون ويسجلون الأقوال والأعمال، ويؤتى بذلك يوم القيامة، فالمؤمن كتابه بيمينه، والكافر كتابه بيساره، فيحاول الكافر أن ينكر، وإذا بجوارحه تشهد عليه، فيشهد عليه سمعه، وبصره، وجلده بما كان يعمل في دار الدنيا.
فالله الذي ينطق اللسان فيتكلم هو القادر على أن ينطق الأخرس والحيوان والطفل الصغير والجوارح وغيرها.
وفي عصرنا قد أنطق الله الجمادات بدون لسان كالراديو والتلفزيون وغيرهما، حتى إن الإنسان البدوي ليظن أن الراديو أو التلفزيون إنساناً بروحه وجسده، فالذي أنطق الخشبة والجمادات ونحن نراها هو الله، وصدق من كتب كتاباً وسماه: العلم يدعو للإيمان، فالذي كان ينكر المعجزات قديماً صار يراها في عصرنا، مع أنها لا يمكن أن تسمى معجزات؛ لأنه لا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، والذي يفعلها ليس مؤمناً ولا يؤمن بمعجزة ولا غيرها، ولكن المعجزات أشياء أنذر بها القرآن، وتحدث عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام فكانت كما أخبر ربنا وكما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم.