تفسير قوله تعالى: (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين)
قال الله ربنا جل جلاله: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [الزخرف: ٨١] يقول الله جل جلاله لعبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الوثنيين الذين نسبوا لله ولداً، إن كان هذا حقيقة، فأنا مأمور بأن أكون لهذا الولد مع أبيه أول العابدين، ومعنى ذلك: أن هذا شرط، والشرط لا يلزم منه الوقوع، ولا يلزم منه الجواز، وهو من باب المناظرة، وتعجيز من يزعم ذلك ويدعيه.
والمعنى: ليس لله ولد، ولو كان له ولد لكان إلهاً، ولو كان إلهاً لجاءت الرسل والأنبياء بالأمر بعبادته، ولن يكون ذلك؛ لأنه لا وجود لغير الله الواحد، لا ولد له ولا صاحبة ولا شريك له، لا في ذات ولا في صفات ولا في أفعال، وهذا كقوله تعالى: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الزمر: ٤]، أي: لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاختار من عبيده ولانتقى منهم ما يشاء، ولكن الله لم يشأ، ولن يكون ذلك، ولن يكون الولد إلها، ولن يكون المخلوق ربا، فالرب واحد لا يليق به ولد، ولا يليق به صاحبة، وإن هي إلا أكاذيب وأضاليل اخترعتها عقول المشركين والفجار وغير الموحدين من الناس.
فهي أكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا من باب الشرط، والشرط لا يلزم منه الوقوع، بل ولا يلزم منه الجواز، ولو أراد الله لاتخذ ولداً، ولو اتخذه لاختاره من خلقه، ولكن الله سبحانه هو الله الواحد القهار، لا يليق به شيء من صفات المخلوقين؛ ولذلك فإن الله نزه نفسه وسبحها وعظمها وعلمنا أن نقول ذلك فقال: ﴿سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الزخرف: ٨٢] فالله سبحانه يعظم نفسه وينزهها، ويبرئها من المعائب والنقائص التي لا تليق به، فهو رب السماوات والأرض ورب العرش، فهو الواحد الأحد تعالى ربنا وتنزه وتعظم وتقدس عما يصفه به المشركون الوثنيون الكاذبون، بل الله واحد لا ثاني له، ولا شريك له، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.


الصفحة التالية
Icon