تفسير قوله تعالى: (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون)
قال تعالى: ﴿وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الزخرف: ٨٨]، هذه الآية شكوى محمد صلى الله عليه وسلم، وكما قال في آية أخرى حكاها الله عنه: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: ٣٠] فقد شكاهم إلى الله بأنهم هجروا القرآن، وهجروا تلاوته، وهجروا العمل به، وهجروا تحكيمه، وإن كانوا قد هجروا القرآن أيام نزوله فما بالك بعصرنا؟ ففي العالم الإسلامي هجر لغة، وهجر إدارة، وهجر دين، وهجر حكم للحلال والحرام، فأصبح حفظ المصحف للبركة إلا من رحم ربك.
فقوله: ((وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ)) قال هذا نبينا صلى الله عليه وسلم، ورفع شكواه لربه بعد أن دعا قومه إلى قول لا إله إلا الله، وترك الأوثان والأصنام، فصبر على ذلك في مكة ثلاثة عشر عاماً وما زادهم ذلك إلا خسراناً مبيناً، فشتموه وقالوا عنه ما قالوا، ورموه بما لا يليق، وتآمروا على قتله أو إخراجه أو سجنه، ورموه بالحجارة، وبسلى جزور الإبل، ومع ذلك كان يدعوهم بلا ملل ولا كلل في الليل والنهار، وهم على هذه الحالة، وقد كان ذلك قبل أن يشرع الجهاد، ومضت سنين وما آمن به إلا أربعون من قومه، فشكا وتضرع إلى الله خالقه، وقال: ﴿يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الزخرف: ٨٨]، أي: إن هؤلاء الأقوام والعشائر لا يؤمنون، فقد أصروا على الكفر والشرك والعناد.


الصفحة التالية
Icon