تفسير الدخان بكونه علامة للساعة
وتفسير علي وتفسير ابن عباس وتفسير حذيفة بن أسيد الغفاري وحذيفة بن اليمان كاتم أسرار رسول الله ﷺ على غير ذلك، حيث قالوا: الدخان سيكون علامة من علامات الساعة؛ لقول الله: ﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾ [الدخان: ١١] وليس قريشاً وحدها، فيسلطه الله على الخلق كلهم ويغشى الناس كلهم.
ولقوله تعالى: (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ) ودخان قريش هذا إنما كان تخيلات نتيجة الجوع والقحط، وليس هو دخاناً في الواقع، كشأن من يجوع وشأن من يكاد يغمى عليه، فيظهر له أن الجو أصبح دخاناً، والأمر ليس كذلك، وإنما هي خيالات وأوهام صادرة من نفس ذلك الجائع والبائس والممتحن، وإلا فالسماء ليس فيها دخان.
أما أن الدخان سيكون في آخر الزمان علامة من علامات الساعة الكبرى؛ فذلك ما ثبتت به الأحاديث المتواترة المستفيضة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقد روي (أن النبي عليه الصلاة والسلام خرج من بيته فإذا به يرى قوماً يتذاكرون، فوقف عليهم فقال: فيم تتحاورون؟ فقالوا: في الساعة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: بينكم وبين الساعة عشر علامات: خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وخروج الدابة، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس تبيت معهم وتصبح معهم، ونزول الدخان من السماء يبقى أربعين يوماً وأربعين ليلة يغشى الناس يجدون له عذاباً أليماً، لا يشعر المؤمن منه إلا كما يشعر المزكوم بالزكام، والكافر والمنافق يأتيه هذا الدخان فيدخل خياشيمه وآذانه وفمه وعينيه ودبره وجميع منافذ بدنه فيلقى منه عذاباً أليماً).
وهذا الذي قاله رسول الله ﷺ هو الذي يتفق مع ظاهر الآية: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ﴾ [الدخان: ١٠ - ١١]، ليس قريشاً وحدها، ولكن يغشى الناس كلها في مشارق الأرض ومغاربها، ويكون عذاباً أليماً وعذاباً مهيناً، وأما الدخان الذي وصفه ابن مسعود فهو - في الحقيقة - ليس عذاباً؛ لأنه لا وجود له، وإنما هو متوهم، ولكن العذاب هو نتيجة جوعهم وبؤسهم ومرضهم، وليس نتيجة دخان ينزل من السماء.


الصفحة التالية
Icon