تفسير قوله تعالى: (أهم خير أم قوم تبع)
قال تعالى: ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [الدخان: ٣٧].
أي: أكفار الدعوة النبوية المحمدية هم خير سلطاناً، وخير عزاً، وخير حضارة، وخير قوة، وخير تمكناً من قوم تبع وممن كان قبلهم عندما أصروا على الكفر وأصروا على الشرك؟! قال تعالى: (أهلكناهم) دمرهم الله تدميراً، وعاقبهم عقاباً لم يبقِ منهم ولم يذر.
قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [الدخان: ٣٧] كانوا مشركين، وأعظم الجرائم الكفر بالله، والشرك بالله، فكانوا مجرمين، وكانوا مشركين، وكانوا وثنيين، فعاقبهم الله وهم أعظم سلطاناً وأقوى بنياناً وأطول أجساماً من هؤلاء الذين يدلون بشيء قليل مما عندهم، وأردوا بذلك أن يتكبروا على الله، ويتعاظموا على رسول الله، وعلى عباد الله المؤمنين، فالله أنذرهم وتوعدهم بأن يعاملهم معاملة قوم تبع.
والأمم السابقة من قوم نوح وعاد وثمود وقوم فرعون وقوم إبراهيم وقوم لوط والأمم الكثيرة مضت وهلكت بين مصروع ومقتول وغريق ومرجوم من السماء إلى الأرض ومخسوف به، فهؤلاء يظنون أنهم أعظم من أولئك شأناً، وأقوى منهم بنياناً وحضارة.
و (تبع) كان لقباً لملوك اليمن، وقد كانوا قبل مجيء رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام بسبعمائة عام، قيل: إن تبعاً هذا الذي أشار إليه القرآن كان مؤمناً، وهو الذي بنى الحيرة، وبنى سمرقند، وهو الذي جعل لليمن حضارة في بنيانها وزروعها وبساتينها وفي قوانينها، فأسلم ثم أسلم من جاء بعده، فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: (إن الله ذم قوم تبع ولم يذمه) فذاك دليل على إيمانه، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن تبعاً آمن.
فإن صح هذا الحديث يكون فهم عائشة وقولها مستنداً إلى النص من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وورد عنه أيضاً: (لا أدري: أتبع كان نبياً أم لا؟!)، وعلى كل حال فهو إن كان مؤمناً فهو من أهل الخير، وإن كان نبياً فهو من أهل الخير الكبار.
فإن صحت هذه الأحاديث فقد تبين أن قومه كانوا مجرمين، ولم يكن هو كقومه، بل كان رجلاً صالحاً، إما مؤمناً أو نبياً، على أنه قيل: قد آمن به من رعيته مجموعات متتابعة.
وقالوا: جاء إلى المدينة المنورة (يثرب) كما كانت تسمى، فاجتمع فيها بحبرين، وأراد أن يضرب المدينة ويهلك سكانها انتقاماً وظلماً؛ لأنهم لم يبايعوه ولم يكونوا من أتباعه، فقال له هذان الحبران: إن هذه المدينة مهاجر خاتم الأنبياء، فالمدينة للصالحين المؤمنين من الناس، ولو حاولت أن تفعل لردك الله، ولعذبك الله، فخاف ثم جاء إلى مكة، وأراد أن يهدم الكعبة فخوفاه، فانقلب بعد ذلك مؤمناً بها، وذبح - فيما زعموا - ستة آلاف بدنة.
يقول الله تعالى عن كفرة قريش: ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [الدخان: ٣٧]، أهلك الله أولئك بجرائمهم وبشركهم وبكفرهم، ويوشك هؤلاء أن يهلكوا كذلك، كما أهلك قوم تبع ومن قبلهم من الأمم الكافرة المشركة، قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [الدخان: ٣٧].