تفسير قوله تعالى: (فارتقب إنهم مرتقبون)
قال تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ﴾ [الدخان: ٥٩].
أي: انتظر -يا رسولنا- نصرك ونشر دينك، وانتظر هزيمة أعدائك، فهم كذلك يرتقبون وينتظرون.
أولئك ينتظرون موته، وهل موته سيقف حائلاً دون نشر الإسلام، ودون نشر كلمة لا إله إلا الله، ودون نشر كتاب الله؟! هيهات هيهات، لقد ذهب ﷺ إلى الرفيق الأعلى وانتشر بعده الإسلام انتشاراً لم ينتشر في حياته، فهؤلاء يرتقبون موته ولا يرتقبون وينتظرون - في الحقيقة - إلا ذلّهم وهوانهم وعذابهم والبطش بهم وإذلالهم.
وهكذا كان، فارتقب يا رسول الله، وارتقب أيها المؤمن، فالنصر لدينك، والنصر لك ولكل المؤمنين على الكفرة المفسدين أعداء الله ورسوله والمؤمنين، فهؤلاء يرتقبون موتك، ولن يكون موتك راحة لهم، بل سيذلون ويُهزأ بهم ويقهرون أكثر، فهم ينتظرون القهر والإذلال والضياع، وأنت تنتظر النصر والعز ونشر دينك ونشر كتاب ربك المنزل عليك، ونصرة أتباعك في مشارق الأرض ومغاربها.
وهكذا كان، فما أتت السنة الثامنة من الهجرة حتى فُتحت مكة وطُرد كفارها وذلّوا وأصبح حراماً على الكافرين دخول مكة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨].
ثم حرّم عليهم رسول الله ﷺ كذلك دخول المدينة المنورة، كما أوصى النبي ﷺ عند موته بأن يُخرج اليهود والنصارى جميعاً من جزيرة العرب، وأوصى بألا يبقى في الجزيرة دينان، وقد انبرى لهذا عمر رضي الله عنه، فأخرج يهود المدينة من الجزيرة، وأخرج نصارى نجران واليمن من الجزيرة، وبقيت جزيرة العرب خاصة بالموحدين.
كما أمر عليه الصلاة والسلام بإخراجهم من العالم الإسلامي، بدليل قوله: (لا تصلح قبلتان في أرض) وكلمة (أرض) نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم، أي: عموم أرض الله التي يستقبل أهلها الكعبة، والتي يدين أهلها بدين الإسلام، فلا يجوز أن يكون مع دين الإسلام غيره، ولا مع الكعبة غيرها.
ولكن بعض من جاء بعد الخلفاء الراشدين فرّط، وأذن لأعداء الله من اليهود والنصارى بالمقام في المجتمع الإسلامي، بحكم الأرض حكم كسرى وقيصر!


الصفحة التالية
Icon