تفسير قوله تعالى: (إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين)
قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣].
يلفت ربنا نظر العاقلين والمؤمنين إلى هذه الأرض وما عليها من جبال، ووهاد، وبحار، وتلال، وجذوع، ودواب، وطير، وجن، وإنس، وإلى السماوات والأرض وما فيها من نجوم وأفلاك ومجرات لا يحصي عددها إلا الله، وهي محمولة بغير عمد نراها، فلا عمد لها، بل هي قائمة بقوة الله وبقدرة الله لا تحتاج إلى ما يحملها.
ولو جئنا ببناء من بيت أو غرفة وأردنا أن نحمله على غير عمد لسقط ولعجزنا عن بنائه، ولكن الله الكريم حمل السماوات السبع وما فيهن وما بينهن، وحمل الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن بغير عمد، ويرى ذلك كل ذي عينين، فهل هذا أمر يعجز الإنسان عن أن يفكر فيه، وأن ينظر في حكمته، وأن ينظر في آياته؟! ألم يدر بعقل المرء يوماً في ساعة من الساعات أن يقول: من خلق هذا؟! من حمله بغير عمد؟! كيف قام الله برزق هؤلاء جميعاً؟! كيف لم يعجزه رزق الخلق كلهم وكفايتهن وتدبير أمورهم والقيام عليه؟! إن الملك في الأرض -مهما كانت دولته عظيمة، ومهما كانت خزائنه عامرة- لو كُلِّف بأن يُطعم رعيته لعجز عن ذلك، ولماتوا عطشاً وجوعاً، ولكن الله الخالق الرازق لا يعجزه ذلك، فهو الذي خلق كل الخلق، وهو الذي يدبر أمورهم، وعليه حياتهم ومماتهم ورزقهم وصحتهم وضعفهم، وكل ما هم في حاجة إليه.
فالمؤمنون يتفكرون في هذا ويعون هذا ويدركون أسرار هذا ويتخذون من ذلك علامات بينات وآيات واضحات على قدرة الله ووحدانية الله، وأنه القادر على كل شيء المدبِّر لكل شيء، الرازق لكل شيء، المحيي المميت لكل شيء.
يقول تعالى: ﴿إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣] أي: إن في هذه السماوات والأرض لآيات وعلامات واضحات معجزات بينات دالة على قدرة الله ووحدانية الله، وأنه الخالق لكل الكون وحده، لم يعنه على ذلك أحد ولم يحتج إلى أحد.


الصفحة التالية
Icon