تفسير قوله تعالى: (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه)
قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: ١٣].
فسخّر الله للإنسان ما في السماوات من كواكب، وما في السماوات من أمطار، وما فيها من أرزاق، ما فيها من جو نقطع فيه ما بين الشرق والغرب والشمال والجنوب راحلين مسافرين، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٨].
وأشار إلى ذلك رسول الله ﷺ عندما تحدث عن عيسى ونزوله من السماء، فأخبر بأن الناس سيركبون وسيأتون إلى مكة لأداء مناسك الحج على غير الخيل، ومعناه أنهم سيحجون على مراكب إذ ذاك لم تر، فهي ما أشار إليه القرآن وفهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشار إليه في حديثه بأن عيسى سيحج على غير الخيل، فهل سيحج طائراً كما نفعل نحن الآن؟! قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية: ١٣] فسخّر لنا ما في السماوات من أجواء نقطعها مسافرين راكبين، ومن أمطار وأرزاق يغيث الله بها الأرض فيحييها بعد موتها، ومن آلات حرب تكون دماراً وخراباً بأيدي أهل الخراب، وتكون صلاحاً وسلاماً بأيدي أهل السلام من المؤمنين المسلمين.
وسخّر لنا ما في الأرض من جبال ومن تلال ومن بحار ومن طير ومن دواب ومن كل ما هو على وجه الأرض، وذلّل لنا ذلك، فنحن نأكل من خضرتها ومن طيرها ومن حيواناتها، ونستفيد من كل ما على الأرض مما ذلّله الله وسخّره للإنسان، فمن سخّر ذلك؟! ومن ذلّل ذلك؟! ومن خلق ذلك؟! لم يفعل ذلك أحد إلا الله، فالله الذي ذلّل ذلك، فذلّل البحر، وذلّل الفلك، وذلّل ما في السماوات وما في الأرض وسخّره للإنسان لعله يشكر الله، ولعله يعبد الله، ولعله يدين بالتوحيد، وبكلمة (لا إله إلا الله) أشرف كلمة.
وفي الحديث: (أعظم ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله) وبغير قولها يكون الناس كفرة مشركين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، وهم في العذاب الخالد المهين.
يقول تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: ١٣].
قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [الجاثية: ١٣] أي: في البحار وتسخيرها للإنسان، وتسخير الفلك والسفن، وتسخير الأفلاك والأجواء والأمطار والبحار والجبال والوهاد والتلال وما على الأرض وما فيها، كل ذلك آيات وعلامات لمن له عقل ولمن له فكر، ولا يتفكر المرء في ذات الله، ولكن يتفكر في خلق الله، فمهما تفكر المتفكر في الله فالله ليس كذلك، فكل ما يخطر ببالك فربنا مخالف لذلك.
فالمشروع أن نتفكر في السماء من خلقها، وفي الأرض من سوّاها، وفيما بينهما من خلقه وسخّره وذلّله لابن آدم؟ فسيخرج بنتيجة أن الله هو فاعل ذلك، وليس ذلك لأحد غير الله، فليس ذلك لشركاء ولا لأوثان ولا لأعوان، فلا شريك مع الله، ولا معين لله، ولا يحتاج الله جل جلاله وعز مقامه إلى حد.
قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: ١٣] يتفكرون في خلق الله وإرادة الله ووحدانية الله.


الصفحة التالية
Icon