معنى قوله تعالى: (فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم)
قال ربنا: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [الجاثية: ١٧].
فقد كانوا مجمعين على ظهور رسول يأتي بعد عيسى، وإذا بهم يختلفون عندما ظهر وكان العلم به واضحاً، قال ربنا عنهم: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [الجاثية: ١٧] ظلماً وتعدياً وبغياً بينهم.
وبعض منهم -وهم قلة- آمنوا وأسلموا، وفي طليعة هذه القلة عبد الله بن سلام، أسلم بمحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعلن إيمانه رسول الله، وكان قد طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن لا يخبر اليهود بإسلامه إلا بعد أن يسألهم عنه، فقال لهم وقد جمعهم وجمع رهبانهم وأحبارهم: (كيف عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: عالمنا وسيدنا وأفضلنا، فقال لهم: إنه أسلم فقالوا: لن يكون هذا.
فأعلن عبد الله بن سلام شهادته وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فعند ذلك شتموه وجهّلوه)، وهكذا كشفوا عن نفاقهم وعن كذبهم وعن بهتانهم وعما لا يليق بإنسان.
قال تعالى: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [الجاثية: ١٧] فجاءهم الحق على صدقه، وجاء بعد ذلك العلم اليقيني، فسألوه عن معجزات فأجاب عنها، وسألوه عن أنبيائهم فأجاب عنهم، وبعد كل هذا أبوا إلا حرباً وقتالاً، وكان النبي ﷺ قد عاهدهم فغدروا، وإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يقاتلهم ويحاربهم ويطردهم ويوصي بمن لم يطرد بعد أن يطرد، فقتل من قتل، وشرّد من شرّد.
قال تعالى: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [الجاثية: ١٧] فاعتدى بعضهم على بعض، اعتدى من بقي على كفره على من آمن، وطغى عليه وكذّبه ولم يؤمن بإيمانه.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الجاثية: ١٧].
سيقضي الله بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، وهذا فيمن أصر على الكفر، أما من هداه الله وآمن بهدى الله وآمن برسول الله وآمن بالكتاب المنزل عليه فقد أراه الله الحق في دار الدنيا.