تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها)
قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣٢].
أي: إذا قال المؤمنون: إن وعد الله بيوم القيامة وبيوم البعث والحساب والعرض على الله حق، ﴿وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا﴾ [الجاثية: ٣٢] أي: يوم القيامة ويوم البعث لا ريب فيه، ولا شك، فهو آت لا محالة لتعرض أعمال الناس وأعمال الخلق على الله فإما إلى جنة وإما إلى نار، إذا قيل لكم ذلك وسمعتم ذلك إذا بكم تجيبون: ما ندري ما الساعة؟! تتكلمون بهزء وتتكلمون بجهل، وتتكلمون بكفر، وتقولون: ما ندري ما الساعة؟! أهي ساعة تنتظر من ساعات الزمان؟! أم هي اليوم الذي يقول عنه أناس: هو يوم البعث والنشور والحياة الثانية؟! فإن كان كذلك فنحن لا ندري بهذا، ولا نعرفه، ولا نوقن به! ﴿مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا﴾ [الجاثية: ٣٢] ولسنا إلا ظانين واهمين، فلا نتيقن بذلك ولا نؤمن بحقيقة ذلك، فكيف يعيش الإنسان مرة ثانية بعد أن يصبح عظاماً نخرة، وبعد أن يصبح رفاتاً، وبعد أن يعود تراباً؟! وقد أتى الله تعالى بالبراهين القاطعة والدلائل الواضحة في العشرات -بل المئات- من الآيات والعشرات من السور على البعث، كقوله تعالى: ﴿قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس: ٧٨ - ٧٩]، فالدليل عندكم، فأنتم تدركون أنكم لم تكونوا فكنتم، لم تكونوا عظاماً نخرة ولا أشباحاً جامدة، بل كنتم عدماً، ومع ذلك صير الله هذا العدم وجوداً، فأخرجكم إلى الوجود أشباحاً ذات أرواح ناطقة ومتحركة عاقلة، فهذه الأشباح المتحركة أين كانت؟! ومن أتى بها؟! ومن صنعها؟! قال تعالى: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢١] فالدلائل القاطعة على القدرة الإلهية وعلى الوحدانية الإلهية هي قائمة في كل نفس.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فكيف بعد ذلك تنكرون هذا وتقولون: لن يكون، فكيف نعود بعد أن كنا عظاماً نخرة، وبعد أن كنا رفاتاً؟! قال تعالى: ﴿قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس: ٧٨ - ٧٩] وإنشاؤها أول مرة يدركه كل ذي عينين وكل متحرك من الخلق.
إذاً: هؤلاء يجادلون بالباطل ولا يعلمون حقيقة من عقل ولا نقل ولا أثارة من علم، إن هو الهراء والجدال بالباطل.
يقول تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣٢] أخذوا يهزئون في دنياهم ويقولون: ما هي الساعة؟! لا ندري ما هي؟ أهي ساعة من زمن؟! أهي يوم من أسبوع؟! أهي عام من الأعوام؟! أم هي ما يقولون عنه: أننا سنعود لحياة ثانية بعد الموت ﴿إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا﴾ [الجاثية: ٣٢] إن كان ذلك حقاً فنحن نظنه ونتوهمه ويخطر ببالنا، ولكننا لسنا بمستيقنين منه، ولسنا بمتأكدين، ولسنا به بمؤمنين، وهكذا يسجّلون الكفر على أنفسهم بالقول والعمل، حتى إذا جاءوا وجدوا كل هذا في الكتاب الناطق بالحق المستنسخ من قبل الملائكة المعروض على الله جل جلاله.
قال تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾ [الجاثية: ٣٣] جاءوا في الآخرة ووجدوا ما أنكروه حقيقة واقعة، وعاشوا بعد الموت، وسيقوا سوقاً ودفعوا دفعاً لمحكمة ربنا ولقضاء إلهنا حيث لا ظلم، وحيث العدل المطلق، وإذا بهم يفاجئون بما كانوا ينكرون فيجدون حقيقة واقعية ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا﴾ [الجاثية: ٣٣] ظهر لهم سيئات أعمالهم بينة واضحة.