تفسير قوله تعالى: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة)
قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف: ٥]، أكد ربنا ذلك وزاده تقريعاً وتوبيخاً؛ ليكون ذلك أدعى للسامع في اجتناب هذه المفاهيم الباطلة والأقاويل المتهافتة، وهذا الكلام الذي لا دليل عليه لا من عقل ولا من نقل.
فقوله: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ﴾ [الأحقاف: ٥] أيضاً
ﷺ لا أحد، وأضل الخلق: أكثرهم ضلالاً وجهالة وبعداً عن العلم، يكفرون ويقولون كفراً علمياً، يسمون الأسماء بغير اسمها، يكذبون ويجهلون ويضللون ويقولون: نخاطبكم بالعلم، ويعنون بالعلم: الجهل، فالضلال: الباطل.
ونبغت نابغة من الجهلة الضالين زعموا أنهم يريدون أن يفسروا لنا كتاب الله تفسيراً علمياً عصرياً، فجاءونا بالعفن وجاءونا بالطوام وبالبلاء في تحريف كلام الله.
ومن العجيب! أن يجد أمثال هؤلاء المعطلون الشيوعيون تلامذة اليهود والنصارى والمنافقين مرتعاً لهم في أجهزة الإعلام المنظورة والمسموعة والمقروءة، تفتح لإفكهم ولشركهم ويقولون: اسمعوا هذا التفسير العصري، حتى إذا قلت لهم: من أين جئتم بهذا الذي سميتموه علماً؟ فسروا لك الماء بالماء، والتراب بالتراب، والشيء بالشيء، وهو شأن العابثين الذاهبة عقولهم، الضائع وعيهم.
فقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأحقاف: ٥] أي: هل هناك أكثر ضلالاً من إنسان يعبد وثناً أو يعبد ملكاً أو يعبد بشراً ويدعوه، ويوم القيامة لا يستجيب له؟ إذا قال له: ارزقني لم يجبه، وإذا قال له: عافني لم يجبه، فهو يعجز عن ذلك وهو أضعف من ذلك، وهؤلاء المدعوون والمعبودون من دون الله عن دعاء هؤلاء الوثنيين المشركين غافلون، لا يحسبون لهم حساباً ولا يهتمون بهم ولا يلتفتون إليهم، وذكر الله (من) التي تطلق على العقلاء، وقد يشترك فيها العقلاء وغير العقلاء ولم يقل: (ما)، ﴿لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأحقاف: ٥].
وكل هؤلاء العاقلين وغير العاقلين لا يملكون لهؤلاء العابدين ضراً ولا نفعاً، قال ربنا: ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٦].
فقوله: ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ﴾ [الأحقاف: ٦] أي: جاء يوم الحشر وحشر الناس يوم القيامة للعرض على الله للحساب والعقاب للجنة والنار، كان هؤلاء المعبودون أعداءً لهم.
وقوله تعالى: ﴿وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٦] أي: كفروا بعبادتهم وقالوا لهم: ما عبدتم إلا الأوهام والتخيلات، وعبدتم ما لم ينزل الله لكم به من سلطان، أما نحن فنحن عبيد أذلاء تحت إحاطة الله وقدرته، وكما قال ربنا في أفضل هؤلاء المعبودين: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ [المائدة: ١١٦]، ليس له بحق، وليس له أن يقول ما ليس له بحق: بأنه إله معبود، قال: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ﴾ [المائدة: ١١٧] بأنه عبد الله، وبأنه رسول الله وما سوى ذلك فكذب وباطل وضلال.
فمن المفسرين من قال: هذه الآية تشتمل على المعبودات الجمادية، الآية الآتية لا تنطبق على ذلك: ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٦]، فكيف يكفر الحجر والجماد بعبادة هؤلاء ويكونون لهم عدواً؟
ﷺ إن العداوة تكون من معبودين عقلاء، فمن الملائكة من عبد من دون الله، ومن الجن كذلك، ومن البشر مريم وعيسى وغيرهما كذلك.
فالجمادات لا تجيب ولا تستجيب لدعاتها وعبادها يوم القيامة، ولا تنفعهم ولا تضرهم ولا تشعر بهم فهي جمادات، ويوم القيامة أولئك العاقلون من المعبودين يكونون أعداءً لهم، ويكونون كافرين بعبادتهم، وواقع الحال في الدنيا هكذا، فمن المشركين من عبد البشر، ومنهم من عبد الملك، ومنهم من عبد الجن، ومنهم من عبد الحيوان، ومنهم من عبد الجماد.
فكل هذه المعبودات يقال لها معبودات بغير حق ومعبودات باطلة، وكلها لا تستجيب لعابديها ولا تضرهم ولا تنفعهم، وكل واحد من هؤلاء المعبودين سواءً كان ملكاً أو نبياً أو جناً لا يملك مع الله شيئاً، إن هو إلا عبد له خاضع لقدرته ولجلاله ولإرادته جل وعلا.