الفوائد المستنبطة من قوله تعالى: (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم)
قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤] أخبر الله في كتابه النبي ﷺ بنصره وتأييده، وأخبره بسخط أعدائه، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [الفتح: ٢٨]، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٣] فالله وعد نبيه وذكره بأنه رسول للهدى، أرسله بالنور ليمحو بهداه الضلالة وبنوره الظلمة، وليظهره على الدين كله، وأرسله بدين الحق لا بالأديان الباطلة التي زعمها الأفاكون من المشركين والوثنيين الضالين المضلين؛ لتصبح الغلبة له على الدين كله، فالألف واللام ألف العموم، أي: جميع الأديان، وقد مضى محمد ﷺ وعاش الإسلام قروناً، لم يكن يذكر في الأرض إلا الإسلام ودولته وقادته وأئمته وعلماؤه، وهذا عائد لا محالة، ونحن في بداية القرن الخامس عشر الذي يقول عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليرسل لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها)، فهو قد أخبرنا وبشرنا بأن تجديداً يحدث عند كل مائة عام، وسيحدث هذا بصورة أشمل وأعم أيام نزول عيسى بن مريم إلى الأرض، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويخرب الكنائس والبيع، ولا يقبل إلا الإسلام، ولا يدع يهودياً ولا نصرانياً إلا إذا أسلم وإلا قتله، وهكذا ستنتشر كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله عامةً شاملةً، كما سبق أن كانت، ولا يفعل عيسى ذلك إلا بأمر من النبي عليه الصلاة والسلام، فهي ليست رسالة مستقلة ولا وحياً انفرد به، ولكنه أمر من رسول الله بأن عيسى ينزل إلى الأرض وهو على دين الإسلام وعلى ملة محمد عليه الصلاة والسلام، ومن هنا ترجم له أعلامنا في كتب الصحابة؛ لأنه يتصف بصفة الصحابي، وقد اجتمع برسول الله حياً وآمن به، وسيموت على ذلك.
في يوم من الأيام صلى عليه الصلاة والسلام الصبح في مسجده، ثم صعد المنبر، فبقي يخطب إلى أذان الظهر، ثم نزل فصلى الظهر، ثم صعد المنبر فلا زال يخطب حتى صلى العصر، ثم عاد إلى المنبر فبقي يخطب حتى أذن للمغرب فنزل فصلاها واكتفى بما صنع.
وهذه الخطبة قد توزعت في كتب الفتن وأبوابها، وفي المعجزات النبوية في كتب الصحاح والسنن والمسانيد، وجميع أمهات كتب السنة، قال رواة الحديث: وهو من الأحاديث المتواترة التي توجد في الصحاح كلها، رواها أكثر من عشرة من الصحابة، منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وغيرهما رضي الله عنهم أجمعين.
قال هؤلاء الرواة: حدثنا بما كان وما سيكون إلى قيام الساعة، حتى إنه ما من صاحب فتنة ومعه رجل أو رجلان إلا وحدثنا ﷺ عن اسمه ونسبه وعصره ومن معه، حتى ما من طائر يطير في السماء إلا وحدثنا عنه.
وقال حذيفة: حدثنا رسول الله ﷺ بما كان وما سيكون، فكان أعلمنا أحفظنا، ومجموع ما حفظوه كان خطبة كاملة، وجميع ما حدثنا عنه ﷺ قد حدث بعد موته كما في الصحاح.
فقد حدثنا عليه الصلاة والسلام بقتل عمر وعثمان وعلي والحسين.
وحدثنا بقيام عائشة على علي، وقال: (ويحكن أيتكن تنبحها كلاب الحوأب)، وحدثنا أن الخلافة بعده ثلاث وثلاثون سنة، ثم تصبح ملكاً عضوضاً، كما في إجماع المؤرخين والمفسرين والمحدثين والعلماء فقد ختمت الخلافة الراشدة الأولى بعده ﷺ باستشهاد الحسن بن علي رضي الله عنهما، وأخبرنا عليه الصلاة والسلام عن شرائط الساعة الصغرى والكبرى، وعن تغلب المسيح عيسى على المسيح الدجال، وعن قتال اليهود، وعن تخلف المسلمين.