ذكر ما حصل بين مروان بن الحكم وعبد الرحمن بن أبي بكر في شأن هذ الآية
كان مروان بن الحكم أميراً لـ معاوية على المدينة المنورة، وهو يخطب يوم جمعة في المسجد النبوي، فقرأ الآية وقال: نزلت في عبد الرحمن قبل ذلك، وذلك لأنه دعاهم إلى أن معاوية يريد أن يتخذ سنة أبي بكر وعمر في أن يجعل ولده يزيد ولي عهده من بعده، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: يا هذا! لا تقل: سنة أبي بكر وعمر، قل: سنة هرقل وقيصر، فـ أبو بكر وعمر لم يعهدا لأولادهما ولا لعشائرهما ولا لواحد من حوضهما، ولكنك تريدها قيصرية هرقلية، وإذا به ينادي الحرس: خذوه، فدخل عند أخته أم المؤمنين عائشة، وكان البيت لا يزال في المسجد النبوي ثم قال مروان: هذا الذي نزل فيه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا﴾ [الأحقاف: ١٧]، فإذا بـ عائشة تسمعه من وراء الباب فقالت له: كذبت، أشهد لقد لعن أبوك وأنت في صلبه، وهذا الذي قالته عائشة تواترت به الأحاديث، وصح عن جماعة من الصحابة، وقالت عائشة: لم ينزل فينا شيء إلا ما كان من عذري عندما عذرني الله في رد الإفك على أهله، ولو شئت أن أقول فيمن نزلت هذه الآية لذكرت اسمه واسم أبيه، ولكن عائشة لم تذكر اسمه، وكلام مروان هذا الذي أعلنه على المنبر اغتر به الكثيرون فنشروه ورووه، وتجدونه الآن منشوراً ومنقولاً عن الكثير من المفسرين والرواة، وصدقت عائشة، فإنه ليس لذلك أساس من الصحة.
فـ مروان قال ما ليس بحق وعائشة صديقة صحابية جليلة عالمة فاضلة، ومروان لم يكن شيئاً من ذلك، ومروان عندما قال: سنة أبي بكر وعمر ما قال إلا الكذب، ولكن عائشة لنبلها وفضلها لم تذكر اسم هذا الذي قال هذا؛ لأنه قد أسلم، والإسلام يجب ما قبله، فلم تر ذكر اسمه بعد إسلامه مقبولاً، وعبد الرحمن قد أسلم بإجماع العلماء، فكان لـ أبي بكر من الأولاد عبد الله ومحمد وعبد الرحمن وأسماء وعائشة وأم كلثوم، ولم يمت أبو بكر حتى كان والداه مسلمين وأولاده ذكوراً وإناثاً جميعهم مسلمين؛ ولذلك فإن هذه الآية لم تنزل في عبد الرحمن.
وقال البعض: نزلت في عبد الله.
وليس الأمر كذلك، بل نزلت في شخص لم تذكره عائشة وسكتت عنه.


الصفحة التالية
Icon