تفسير قوله تعالى: (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى)
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأحقاف: ٢٧].
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى﴾ [الأحقاف: ٢٧] الخطاب لأهل مكة ولأهل الحجاز إذ كانوا السبب في نزولها، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ ولذلك قل ما أذكر السبب، حتى لا يفهم أحد أن هذا القرآن في أحكامه وما أنذر به من أنذر خاص بالعرب، وقد قال هذا بعض الجهلة والكفرة.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى﴾ [الأحقاف: ٢٧] يقول الله لأهل الحجاز ولقريش: قد أهلكنا ما حولكم من القرى الذين ظلموا وأشركوا وكفروا قبلكم، فأهلك أصحاب صالح وهم في الحدود بين الحجاز والأردن، وأهلك قوم لوط وهي في أرض فلسطين عند البحر الميت، فهي كذلك حول حدود الجزيرة وحول أرض الحجاز، وأهلك حضرموت قوم عاد الذين دمرهم الله بالريح العقيم، وكذلك أرض شعيب في مدين وهي على مشارف وحدود أرض الحجاز، فتلك قرىً أشار الله إليها بأنه أهلكها ودمّرها، وأنتم يا معاشر قريش! تمرون عليها عند كل صيف وشتاء، قال تعالى: ﴿لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ﴾ [قريش: ١ - ٢] ومر عليها ﷺ بجيشه المنتصر في أرض ثمود، فوجدهم قد سقوا من مياهها وآبارها وعجنوا وطبخوا، فقال لهم: (اقذفوا كل ذلك، وإذا مررتم بهذه الأرض فابكوا فإن لم تستطيعوا فتباكوا حتى لا يصيبكم ما أصاب قومها من قبل، قوم صالح عشائر ثمود) فأكفئوها وأطعموها لدوابهم ورواحلهم.
قوله تعالى: ﴿وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأحقاف: ٢٧] أي: فرقنا الآيات الواضحات والدلائل القاطعة على صدق الرسالة وصدق هذا الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


الصفحة التالية
Icon