تفسير قوله تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن)
قال الله جل جلاله: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٩].
أي: واذكر يا محمد يوم صرفنا إليك طائفةً من الجن سمعوا منك القرآن وآمنوا بك وتدبّروا قولك وبلغوا دينك، ومعنى ذلك: يا معشر العرب! ويا معشر أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم! لا يزال فيكم الكثير ممن لم يؤمن، ولا يزال فيكم من هو مصر على الكفر، فهذه الجن قد سمعت القرآن وتدبّرته وآمنت به، وآمنت بالرسول الذي أتى به، فهم ضُرب بهم مثلٌ لمن أصر على الكفر من بني آدم.
قوله: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ﴾ [الأحقاف: ٢٩] أي: وإذ أرسلنا إليك وبعثنا ووجّهنا إليك نفراً أي: جماعة من الجن، والجن: خلق من خلق الله خُلقوا من نار كما خلق الإنسان من تراب، وكما خلق الملائكة من نور.
﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا﴾ [الأحقاف: ٢٩] فلما حضرت هذه الطائفة إلى رسول الله ﷺ وجلسوا في حضرته وبين يديه لسماع القرآن أخذ بعضهم يقول لبعض: ﴿أَنْصِتُوا﴾ [الأحقاف: ٢٩] أي: اسمعوا وعوا ولا تشتغلوا باللغو وبضياع الوقت، بل أنصتوا لما يقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
﴿فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٩] أي: فلما فرغ النبي ﷺ من إسماع هذا النفر من الجن تلاوة القرآن ﴿وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٩] أي: رجعوا إلى قومهم مخوِّفين بما سمعوه من كتاب الله، وبما هدد وأوعد من أشرك بالله ومن بقي على الكفر والوثنية، إذ يعذّبه الله عذاباً لا يعذّبه أحداً مثله.


الصفحة التالية
Icon