تفسير قوله تعالى: (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى)
قال تعالى مخاطباً هؤلاء المشركين المنكرين للبعث والقيامة والمنكرين للجنة والنار: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأحقاف: ٣٣].
والرؤية هنا رؤية القلب ورؤية العلم، أفلم يعلم هؤلاء المشركون والوثنيون والضالون المضلون أن الذي خلق هذه السماوات العلى والأرضين السفلى بما فيها وما عليها من كواكب ثابتات ومن جبال راسيات ومن جن وإنس وملائكة وما يتبع ذلك، ألم يروا أن الله الذي خلق كل هذا قادر على أن يحيي الموتى؟ بل الله القادر على كل شيء لا يحتاج لأكثر من أن يقول: كن فيكون جل جلاله وعزّ مقامه، هل هذا الذي خلق هذه السماوات على كبرها وعظمتها وسعتها، هل إحياؤه الموتى وإعادته للأرواح وقد كانت، وللأجساد وقد كانت، أهون من ذاك وأقرب من ذاك؟ والكل على الله هين؛ ولذلك ضرب الله الأمثال في خلق السماوات والأرض: هل هي أكبر خلقاً وأكبر سعة أو هذا الجسم البشري الضئيل؟ هل هذا أهون في الخلق أو ذاك؟ والكل على الله هيّن، فالله قادر على إحياء الموتى كما خلق السماوات وخلق الأرض وهم يعتقدون ويقرون بأن الله خالق السماوات والأرض وأنه خالقهم ولكنهم كفروا بالحياة بعد الموت، وكفروا بالدار الثانية، وقالوا: إن عقولهم لم تقبلها.
قوله: ﴿بَلَى﴾ [الأحقاف: ٣٣] إضراب عن الكلام الماضي، هؤلاء آمنوا أم كفروا؟ أقروا أم اعترفوا؟ لا يغير نكرانهم ولا كفرهم من الحق شيئاً: ﴿بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأحقاف: ٣٣] إن الله قادر على خلق الكبير والصغير، وخلق السماوات والأرض وخلق الأجساد بعد فنائها، وقادر على عودتها بعد أن تصبح رمماً بالية، وقادر على عودة الأرواح إلى أجسادها كما كانت في دار الدنيا.