سبب نزول سورة الفتح
وسبب نزول السورة هو صلح الحديبية، وذلك عندما أخبر نبي الله عليه الصلاة والسلام المهاجرين والأنصار بأنه يريد أن يدخل مكة المكرمة للحج والعمرة، وكانت مكة لا تزال دار كفر، ولا يزال كفار مكة الوثنيين هم أهلها وسكانها والمتسلطين عليها.
فنادى النبي ﷺ البدو والحضر فتأخر من تأخر وحضر أربع عشرة مائة من الرجال سيوفهم في قرابها، وأخذ طريقه إلى مكة يريد الحج والعمرة، وأعلن للناس أنه لا يريد حرباً ولا قتالاً بأن جعل السيوف في قرابها، وساق معه الهدي، فلما وصل إلى عسفان إذا به يجد رجلاً مقبلاً من جهة مكة فقال له: ما وراءك؟ قال: إن قريشاً بلغهم مسيرك وخروجك وقد استقبلوك بالعوذ المطافيل يريدون منعك من دخول مكة، ويريدون صدك عن البيت.
والعوذ جمع عائذ، والعائذ: الناقة الحديثة الإنتاج، والمطافيل: ذوات الأطفال والصغار من الإبل خرجوا بها كذلك، حتى إذا طال بهم العهد وناجزوا الحرب رسول الله ﷺ مانعيه من الطواف ومن دخول مكة فإنهم يجدون هذا اللبن زاداً لهم، فلا يحتاجون إلى الرجوع إلى مكة، فعندما قال الرجل هذا الكلام إذا برسول الله عليه الصلاة والسلام يقول لمن معه: (أيكم يغير لنا الطريق فنحيط بهؤلاء قبل وصولي إلى مكة؟) فقال رجل خبير بالطريق: أنا يا رسول الله! فذهب بهم إلى طريق وعرة صعبة ذات حجارة وصخور، لقي الأصحاب منها عناء ومشقة، ولكنهم أحاطوا بأولئك الذين خرجوا مانعين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما خرجت كوكبة من الخيل يقودها خالد بن الوليد وكان لا يزال على كفره، وفرقة أخرى يقودها ابن أبي جهل، وكان هذا في شهر ذي القعدة في العام السادس من هجرة رسول الله ﷺ إلى المدينة، هذا في شهر ذي القعدة، وإذا بهؤلاء العوذ المطافيل وركابها والخيل وقائديها عكرمة بن أبي جهل وخالد بن الوليد يقال لهم: محمد قد سبقكم إلى داخل مكة بجيش عرمرم، وإذا بهم يسرعون فارين إلى مكة خائفين من الإحاطة بهم والقضاء عليهم، ومناجزتهم وهم قله.
فوصل رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى الحديبية وهي في مداخل الحرم، وعلم من أعلام الحرم ولا يزال فيها إلى الآن علامة بناء يبينها ويظهرها عند مدخل حرم مكة، وإذا بناقته القصواء عليه الصلاة والسلام تبرك، فحاول تحريكها فلم تفعل، فقال الصحابة خلأت الناقة -أي: حرنت- فلم تبرح من مكانها، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ما خلأت وما ذلك لها بخلق، ولكنه حبسها حابس الفيل) وصاحب الفيل: هم الحبشة الذين جاءوا في السنة التي ولد فيها النبي ﷺ لهدم الكعبة، فمنعهم الله وسلط عليهم الطير الأبابيل فجعلتهم كعصف مأكول.
فمنع الله القصواء من الدخول إلى مكة لحكمة هو يعلمها، ثم عاد فقال عليه الصلاة والسلام: (والله ما عرضت علي قريش أمراً فيه احترام المقدسات وتقدير الحرمات إلا وأجبتهم إليه) فقد كان يظن من معه أنهم إذا منعوا من أداء العمرة قاتلوا ودخلوا عنوة، والنبي لا يريد ذلك، وإنما يريد عمرة، ويريد ما نقوله في حكمة عقد صلح الحديبية بعد تمام القصة.
وصل رسول الله عليه الصلاة والسلام وأمر بالنزول عند شجرة سمر هناك في الحديبية، فقالوا: يا رسول الله! ما هذا لنا بمنزل؛ لا ماء يكفي الناس، وكانت هناك آبار قليلة لا تكاد تكفي أفراداً من الناس، فجاء عليه الصلاة والسلام إلى بئر منها وأخذ ماءً وتمضمض به ومجه فيه ووضع سهماً، وإذا بالبئر تجيش وتفور وكأنها العين الفوارة.
قيل لـ جابر راوي هذه القصة: كم كنتم؟ قال: كنا ١٤٠٠ رجلاً، وقد كفتنا جميعاً، قالوا: وكيف كفتكم؟ قال: والله لو كنا مائة ألف لكفتنا شرباً وطبخاً ووضوءاً ولكل ما نحتاج له من الماء، وكان ذلك من معجزات الرسول ﷺ التي رآها كل من معه، وكان عددهم ١٤٠٠ رجلاً.