تفسير قوله تعالى: (هو الذين أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم)
قال الله جل جلاله: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الفتح: ٤].
يقول تعالى بعد أن بشّر عبده ونبيه محمداً ﷺ بالفتح المبين، وبالهداية للصراط المستقيم، وبالنصر العزيز المؤزر، بأنه أنزل السكينة في قلوب المؤمنين وقد كانوا مضطربين وقلقلين ومنزعجين أمام مواد معاهدة الحديبية، حيث لم يفهموا مغزاها وأهدافها، وكان ذلك من الحكمة في أن قريشاً لم تنتبه لما ضُحك به عليها، وخُدعوا بذلك، والحرب خُدعة كما يقول عليه الصلاة والسلام.
فالله أنزل الطمأنينة والوقار في قلوب الصحابة فزال قلقلهم واضطرابهم، ووثقت أنفسهم، وعادوا بما كانوا فيه من بشرى وسيادة وسعادة واطمئنان بهذه المعاهدة، فاطمأنت قلوبهم، وهدأت جوارحهم، وازدادوا إيماناً مع إيمانهم، وازدادوا يقيناً وثباتاً.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أمر الله بالشهادتين، ثم أمر بالصلاة فازدادوا إيماناً، ثم أمر بالصيام فزادوا إيماناً على إيمانهم، ثم أمر بالحج، ثم أمر بالزكاة فتم لهم الإيمان من كل أطرافه.
وبهذه الآية استدل الإمام البخاري بأن الإيمان يزيد وينقص، فبعض الناس مؤمن حقاً ولكنه مع إيمانه غير مطمئن ومستيقن، وتجد آخر مؤمناً وهو يقول: والله لو كشف لي الحجاب لما ازددت يقيناً على ما أنا عليه.
وقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الفتح: ٤] أي: لو شاء الله لنصر عبده ونصر جنده بلا حاجة إلى معاهدة ولا حرب ولا قتال، فالله له جنود السماوات والأرض، فلو سلّط على هؤلاء ملكاً واحداً لجعل الأرض عاليها سافلها، ولمحقهم وسحقهم سحقاً، ولكن الله يبلو الناس بعضهم ببعض؛ ليختبر الصادق من الكاذب، والمخلص من المنافق، ويثبت الذي بذل حياته في سبيل الله بالجنة والرضا والرحمة، ويعاقب من خرج عن أمره بالعذاب المقيم.
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الفتح: ٤] كان عليماً بخلقه وبعباده وبالصادق منهم من الكاذب، وبالمخلص من المنافق، وحكيم جل جلاله يضع الأمور في مواضعها بما يعود بالنفع والصلاح على الناس بما يعلمه الله جل جلاله.


الصفحة التالية
Icon