تفسير قوله تعالى: (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً)
قال الله تعالى: ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ [الفتح: ١٢].
﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا﴾ [الفتح: ١٢] أي: لن يعودوا للمدينة، ولن تراهم زوجاتهم ولا أولادهم، فقد ذهبوا ليسلموا أنفسهم -لقلتهم وضعفهم- أسرى لقريش، هكذا حدثتم أنفسكم وهكذا تمنيتم.
وقوله تعالى: ﴿وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الفتح: ١٢] أي: زينوا ذلك وأعجبهم واشتهوه وتمنوه في نفوسهم؛ لحقدهم على رسول الله ﷺ ولنفاقهم، وكانوا يتظاهرون بالإسلام وهم كفرة كذبة، والله خلفهم ليتطهر الذين مع رسول الله ﷺ من وجود منافق أو مشرك.
وأما الذين خرجوا معه فهم أهل الجنة، وهم مغفور لهم، إلا صاحب الجمل الأحمر الذي جاء معهم باحثاً عن جمله الذي ضاع، وعندما قال له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلك! بائع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا حاجة لي ببيعته، إنما أريد جملي، فاستثناه الله من المغفرة والجنة، كما أبعد هؤلاء المنافقين فلم يحضروا ولا يستحقون ذلك.
فزين لهم الشيطان وحسنه في نفوسهم وتمنوا ألا يرجع، وظنوا أن في ذلك فلاحهم ونجاحهم وغناهم، وهم في الحالة هذه في الذل والهوان وغضب الله.
وقوله تعالى: ﴿وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ [الفتح: ١٢] أي: ظننتم ظن الشر والبلاء، وهو ظنكم بالله أنه غير ناصر عبده وعبيده، وظنكم بمحمد أن ليس له من الفكر والدهاء ما يخدع به أعداءه حتى ينتصر عليهم النصر العزيز المؤزر، وأنه سيهلك مع أصحابه المؤمنين، وكنتم قوماً هلكى لا خير فيكم، يقال: فلان بائر، أي: هالك لا خير فيه، فلا ينتظر خيره ولا الاستفادة منه، فـ (بوراً) جمع بائر، والبائر: الهالك الذي لا خير فيه.
أي: كنتم قوماً لا خير فيكم؛ لأنكم لم تؤيدوا جيشاً، ولم تقاتلوا عدواً، ولم تؤمنوا بدين، ولم تتخلقوا بخلق، وكنتم أهون من الدواب، بل كانت الدواب خيراً منكم.