تفسير قوله تعالى: (واجعل لي وزيراً من أهلي)
قال تعالى: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي﴾ [طه: ٢٩].
وطلب من الله جل جلاله وهو لا يزال يخاطبه ويكلمه فقال: اجعل لي وزيراً من أهلي؛ لأن الأهل عندما يصدقون الحب، وعندما يصدقون الأخوة، تكون أخوتهم مفيدة، ولا يعدل عنها، وإن انتقلت إليهم العداوة تكون أشد من عداوة الأباعد.
فطلب أن يكون المعين والوزير والمساعد والمؤيد من أهله يعينه على البلاغ لفرعون.
ثم بادر فصرح به فقال: ﴿هَارُونَ أَخِي﴾ [طه: ٣٠].
هذا بدل من الكلمة السابقة، أي: واجعل هارون أخي وزيراً، فهارون أخي بدل من الوزير، ولذلك أعطي حكمه في النصب والمفعولية.
وكان هارون أسن وأفصح وأجمل من أخيه موسى، كان إذا تكلم أفصح، وإذا رئي مقبلاً بهر، وإذا كان في المجلس يكون المنظور إليه دون الحاضرين جميعاً.
تقول السيدة عائشة رضوان الله عليها: سمعت مرة بدوية تكلم بدوياً، فتقول له: ما رأيت أخاً لأخ أحسن عائدة وأحسن سعياً وأحسن إخلاصاً وسكتت، فانتظرت عائشة تسمع وقالت: من هذه المتألية على الله، كيف تجزم بأن يوجد أخ أحسن لأخيه من كل الخلق؟ وإذا بها تقول: ما رأيت كأخوة موسى لأخيه هارون! عند ذاك قالت عائشة: صدقت! ذاك الحق، وذاك الصواب، قد سعى لأخيه فلم يطلب له ملكاً، فالملك دون ذلك، ولم يطلب له مالاً، فالمال أحقر من ذلك، ولم يطلب له نساءً فالدنيا مليئة بالنساء، ولكنه طلب له النبوءة، لا أن يكون تابعاً وخليفة كالخلفاء الراشدين مع نبينا عليه الصلاة والسلام، بل أن يكون نبياً من الله في رتبته.
وهكذا عندما عين ﷺ علي بن أبي طالب وهو ذاهب إلى غزوة تبوك على إمارة المدينة ليخلفه في الناس والحكم والأهل والعيال قال المنافقون: خلفه مع النساء والأطفال استغناءً عنه.
وكان علي لم يترك غزوة ولم يترك معركة حضرها رسول الله ﷺ إلا وكان من الأولين الذين حضروها فأبلوا فيها البلاء الحسن، وأتى الله بالنصر المبين على يده، فرجع للنبي ﷺ يقول له ذلك، وكأنه يستقيله من إمارة المدينة، فقال له عليه الصلاة والسلام: (أما ترضى أن تكون مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
أي: ألا ترضى أن تكون وزيري ومساعدي وخليفة بعدي مقيماً لهذا الإسلام بسيفك وقلمك كما كان هارون مع موسى، إلا أن هارون قد كان نبياً مع موسى وأنا لا نبي بعدي.
قوله: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ [طه: ٣١].
أي: اشدد به ظهري وقوني به، وانصرني بإخلاصه وفصاحته ووجاهته وإيمانه ورسالته، والشد: التقوية والتأزير، والأصل: فقرات الظهر، ويطلق على القوة، أي: قوني به واشدد به ظهري حتى أكون مطمئناً من ورائي عن أن أغدر أو يهجم علي سواء الهجوم الحسي، أو المعنوي، أي: أن يؤتمر علي، وأن يسعى خلفي بالسوء وأنا لا أعلم.
فقوله: ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ [طه: ٣٢].
أي: ليست مجرد الوزارة، ولا المساعدة، ولا المؤازرة، ولكن أشركه معي واجعله نبياً كما أني نبي، واجعله رسولاً كما أني رسول، فاجعله شريكاً لي في الرسالة، ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾ [طه: ٣٣ - ٣٤].