تفسير قوله تعالى: (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها)
قال الله تعالى: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: ٢٠].
فقوله تعالى: ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ﴾ [الفتح: ٢٠] أي: جعل لكم من الغنائم المعجلة المسبقة المقدمة غنائم خيبر.
وقوله تعالى: ﴿وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ﴾ [الفتح: ٢٠] كانت رعاية الله وعنايته برسول الله ﷺ والمؤمنين معجزة، فقد خرج إلى مكة يريد الدخول عليهم إلى عقر دارهم في قلة، فقال البدو والأعراب: ذهب محمد وأصحابه للهلاك، فظنوا ظن السوء، وعليهم كانت دائرة السوء، فقد ذهب ﷺ راضياً مرضياً، ورجع منصوراً مظفراً مفتوحاً عليه متمماً الله نعمته عليه، وترك اليهود في المدينة وكان من الممكن جداً أن ينتهزوا غياب رسول الله عن المدينة فيهجموا عليها هجمة واحدة، فيقتلوا البقية الباقية من المسلمين، وينتهكوا الحرم، ويحاربوا عاصمة الإسلام الأولى، ومنزل الوحي الثاني، وقد فعلوا ذلك ورسول الله في المدينة بين أظهرهم في غزوة الأحزاب، حيث جمعوا عليه قريشاً وغطفان وأهل نجد وقبائل جزيرة العرب.
ثم حاولوا أن يحاربوه من خلفه، ويحاربه الكفار من أمامه، فصنعوا صنيعهم، ولكن الله جل جلاله نصره عليهم نصراً عزيزاً مؤزراً، أفلا ينصره الله وهو خارج المدينة بعشرات الأميال؟! فلم يفعلوا ذلك وهابوا رسول الله وهابوا قوة الجيش النبوي هيبة قلبية زرعها الله في قلوبهم، فخافوا ووجلوا.
وامتن الله على نبيه وعلى المؤمنين بأنكم عندما خرجتم لمعاهدة الحديبية كف الله عنكم أيدي أعدائكم من يهود المدينة، ومن كفار المدينة المنافقين، فلم يقاتلوكم ولم يحاولوا ذلك.
وقوله تعالى: ﴿وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: ٢٠] أي: لتكون معجزة على قدر الله بين المؤمنين، فاليهود على قوتهم وهم يساكنون رسول الله في المدينة عقر داره، وتركها لما خرج هو وأصحابه إلى الحديبية، فلم يقاتلوه ولم يغدروا به ولم يهجموا على من هناك، فخوفهم أرهبهم فقد هابوا المسلمين، وكبروا في أعينهم، وعجزوا في أنفسهم أن يناجزوهم حتى ولو هم غائبون.
فكف أيدي الكفار واليهود عن حربكم وقتالكم وغدركم آية وعلامة ومعجزة بينة على قدرة الله، وذلك برعاية الله لكم ونصرته.
وقوله تعالى: ﴿وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: ٢٠] أي: ليزيدكم هداية على هداية وفتحاً على فتح، وإيقاناً على إيقان، ويثيبكم نصراً على نصر.