تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم)
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: ٧].
ينادي الله عباده المؤمنين، ويقول لهم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ)) هذا وعد من الله ومن أوفى بعهده منه سبحانه؟! يقول الله للذين آمنوا: ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ [محمد: ٧]، وكيف نصر الله؟ يكون بأن ننصر دينه، وعباده المسلمين، ونقاتل في سبيل الله، ونبذل الحياة رخيصة له سبحانه، فإن نحن قمنا بذلك وفعلنا الشرط، حصلنا جوابه، وقد ذكر الله الشرط وجزاءه، فقال: ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ [محمد: ٧] أي: إن نحن نصرنا دينه وعباده ونبيه وكتابه، وبذلنا الأرواح رخيصة في سبيله سبحانه، فإنه سينصرنا.
فإن رأيت أن الله لم ينصرنا على كثرة عددنا، حتى إننا غثاء كغثاء السيل، كما أنذر بذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام، فبسبب أننا لم ننصر ديننا، كيف تقوم شرذمة من اليهود عبدة الطاغوت، أحقر الخلق وألعنهم عند الله فيحاربون أمة الإسلام، وهم مليار من الخلق؟! فتقوم معهم أمريكا وأوروبا وجميع دول الأرض، ومعهم جميع الشياطين والقردة، أما من كان الله معه فلا يحتاج لسواه، ومن كانت نصرة الله معه فلن ينتظر ويحتاج لنصر أحد، كما قال بعضهم: ومن تكن برسول الله نصرته إن تلقه الأسد في آجامها تجم فمن سينتصر بالله وبرسوله وبدينه، إن تلقه الأسود والوحوش الضارية في الغاب؛ فإنها تفر وتخاف منه، وهكذا الأمر، ولكننا عندما كنا غثاء لم ننصر الله في شيء، لا في عقيدة، ولا في وطن، ولا في عباد صالحين، ولا في مستضعفين من رجال ونساء وولدان، وما يفعله العدو يهودياً كان أو نصرانياً من منكر نفعله ونزيد عليه، فهو تبرج وخرج بعوراته مكشوفة، والمسلمون فعلوا ذلك، واليهود والنصارى كفروا بالله واتبعوا طواغيتهم، والمسلمون تركوا دين الله وقيادة رسول الله وكتاب الله خلفهم ظهرياً، واتبعوا كل شيطان مارد: من شيوعي وبهائي ووجودي، ومن بقية ملل الكفر من اليهود والنصارى والمنافقين.
ومنا من يقول: لم نصر الله العدو ولم ينصرنا؟ ف
ﷺ لم ينصرنا لأننا لم ننصره تعالى، لم نكن مسلمين حقاً، لم نبذل الأرواح رخيصة في سبيله، غدرنا ونكثنا بالعهد، والمفروض في كل مسلم أن الله اشترى منه نفسه وحياته، وبذل له الثمن الجنة، فنحن بذلت لنا الجنة وبعنا أنفسنا، ثم عدنا فاسترجعناها وأعطيناها لليهود والنصارى، يستبيحون الأعراض والأديان والأموال، ويستبيحون الكرامة والشرف، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: ٧].
ينادي الله عباده المؤمنين، يحضهم ويحرضهم على نصرة دينهم، وكتاب ربهم، ونبيهم عليه الصلاة والسلام، فإن هم فعلوا نصرهم الله في دنياهم على عدوه وعدوهم.
وقوله تعالى: ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: ٧] أي: يثبتكم على الإسلام، وعلى الهداية والصلاح والتقى، لتكونوا كمن رسخت قدمه لا يخاف زعزعة ولا ميلاً، ولا ردة ولا انفراطاً، وعن نبي الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من بلغ ذا سلطان حاجة من لم يستطع تبليغها ثبت الله قدمه على الصراط يوم القيامة).
وهذا من ذاك، فمن كان عوناً للمسكين الذي لا يستطيع الاتصال بذي السلطان ليرفع إليه شكواه ومطالبه، ثبت الله قدمه على الصراط، فلا يزل ولا يقع.