تفسير قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك)
قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [محمد: ١٩].
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: ١٩].
أي: فاعلم يا محمد واعلموا أيها الناس أنه لا إله إلا الله.
الخطاب هنا لنبينا ومعناه: اثبت على لا إله إلا الله، ودم عليها، واعلم أنه لا دين سواها، ولا حقيقة في الحقائق غيرها.
ثم هو كذلك خطاب لأتباعه، وأن الحياة هي لا إله إلا الله: (أفضل ما قلته أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله).
وعن أبي بكر الصدِّيق عن رسول الله ﷺ قال: (قال الناس: لا إله إلا الله، واستغفروا لذنوبهم، فأغواهم الشيطان بالذنوب والمعاصي، فعادوا واستغفروا وقالوا: لا إله إلا الله، فأغواهم بالأهواء حتى ظنوا أنهم على شيء ويحسبون أنهم على شيء وما هم على شيء) أو كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وفُسّرت الآية: ((فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا)) ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)): أي: إذا حضرت الساعة فجأة فلا ملك ولا حكم، ولا ملوك ولا حكام، ولا شيء في الوجود إلا الله، لا يبقى إله مزيّف، ولا إله باطل، وإنما هو الله الحق الصدق ذو الجلال جل جلاله.
والمعنى على هذا صحيح جداً، فإنه إذا قامت الساعة يتساءل ربنا ويقول: أين ملوك الأرض؟ أين الجبابرة؟ فلا يجيبه أحد، فيجيب الله نفسه ويقول: أنا الملك! أنا ملك الملوك! أنا الجبار! جل جلاله، وعزّ مقامه.
﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: ١٨ - ١٩] أي: إذا برزت الساعة فليس هناك دين ولا عمل، فليس إلا الله والدار الآخرة، وقضاء الله بين الخلق إما إلى جنة وإما إلى نار: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥].
وقوله: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد: ١٩] كقوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ [النصر: ١ - ٣].
فالاستغفار مطلوب في نهاية الأعمال مما يمكن أن يكون من نقص أو خلاف أولى أو خطرات فكر، أو ما لا يليق مما هو من الخطرات، ومما لا ينبغي أن يكون؛ لأنه خلاف الأولى.
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد: ١٩] وقد بيّنوا في معنى الآية أنه: استغفر الله واشكره حيث غفر ما تقدم من ذنبك وما تأخر ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ١ - ٢].
وذنوب رسول الله ليست هي معاصي وآثاماً، فالنبي ﷺ معصوم عن الصغائر والكبائر، ولكن هي من النوع الذي يُقال عنه: خلاف الأولى، ومنه ما مضى من قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى﴾ [الأنفال: ٦٧] لم يكن من الله أمر لنبيه ألا يتخذ أسرى فاتخذهم فيكون ذلك ذنباً ومعصية؛ ولكن الله أراد من عبده ألا يفعل خلاف الأولى، وكان الأولى به وبمقامه ألا يتخذ أسرى حتى يُثخن في الأرض، ويكثر القتل في الأعداء.
وكان يقول عليه الصلاة والسلام: (إني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة).
وقد ورد في الأذكار النبوية الاستغفار كثيراً في مدخل البيت، والمخرج من البيت، واستقبال النهار، وتوديع النهار، وعند النوم، وعند الصحو من النوم، والاستغفار على أي حال؛ وقد كان يقول خلف الصلوات صلى الله عليه وسلم: (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي لا إله غيرك، ولا إله إلا أنت).
وهذا تعليم لنا نحن العصاة الخطائين المذنبين، هو إمامنا المعلم، ونبينا المرشد، ورسولنا الهادي صلى الله عليه وسلم، وقد أمرنا الله باتباعه فقال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١] جعله أسوتنا وقدوتنا ومرجعنا، وإمامنا الذي نتأسى به في الحركات والسكنات والفرائض والنوافل والآداب والرقائق، وجميع شئون الحياة إلى لقاء الله.
فقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: ١٩] من رحمة الله بعباده المؤمنين أن أمر نبيهم وشافعهم ورسولهم أن يستغفر لنفسه ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، جاء بدوي اسمه لقيط بن عامر إلى رسول الله ﷺ فآمن به واتبعه فقال هذا البدوي: غفر الله لك يا رسول الله.
أي أنه دعا لرسول الله بالمغفرة، والصلاة منا كذلك دعاء، فلا يستغني عبد عن دعاء، والنبي ﷺ هو في الدرجات العلى: ﴿وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى﴾ [الضحى: ٤] ويزيده الله مقامات على مقاماته، ومنازل على منازله مدة الدنيا والآخرة.
﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: ١٩] وإذا استغفر النبي ﷺ لعبد -أي: طلب أن يغفر الله له- فتلك شفاعة منه إلى الله لهذا العبد المؤمن المسكين.
قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [محمد: ١٩].
((وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ)) أي: تصرفكم في نهاركم، ومقامكم في داركم وقت منامكم، يعلم متقلبكم في بطون أمهاتكم جداً لجد لأب لابن، لجدة فأم مباشرة، يعلم كيف تسلسلت نطفنا في أصلاب آبائنا، وفي أرحام أمهاتنا إلى أن خرجت بشراً سوياً مؤمناً بفضل الله.
((وَمَثْوَاكُمْ)) أي: ومقامكم وآخرتكم وسؤالكم في قبركم.