تفسير قوله تعالى: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى)
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ [محمد: ٢٥].
قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ﴾ هذا ينطبق على فئتين من الناس أو ثلاث: على قوم أسلموا ثم نافقوا وأصبح إسلامهم ظاهراً، فهم يُبطنون غير ما يُظهرون، ويُظهرون غير ما يُبطنون، فهم المسمون بالمنافقين.
والفئة الثانية: فئة أسلمت عن صدق وإخلاص، ثم تلاعب بها الشيطان، وأساتذة الكفر والسوء والبيئة الفاسدة من أمومة وأبوة ومدرسة وأستاذية، فارتدوا عن الإسلام وأصبحوا شيوعيين أو اشتراكيين أو قاديانيين أو وجوديين أو بهائيين، أو على أي ملة من ملل الكفر، هؤلاء كذلك ينطبق عليهم أنهم ارتدوا بعد أن علموا الحق وسمعوه ووعوه وآمنوا به.
والفئة الثالثة: أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أنزلت كتبهم على أنبيائهم التوراة والإنجيل والزبور، وفيها جميعاً النذارة بالنبي عليه الصلاة والسلام وبأنه سيأتي، والإخبار بنبي آخر الزمان الذي يظهر في جبال مكة وفي أرض الحجاز، وأنه لا نبي بعده ولا رسول، يدعو البشر كلهم مشرقهم ومغربهم أبيضهم وأسودهم إلى الله الواحد.
فعندما ظهر عليه الصلاة والسلام أعرضوا عنه.
﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى﴾ [محمد: ٢٥] أي: من بعد ما ظهر لهم الحق والهدى والنور، وزال الظلام والباطل بما عرفوه في الكتب السابقة، وما عرفوه بعد ذلك في الكتاب الخاتم القرآن الكريم، وما نطق به خاتم الأنبياء وإمامهم صلى الله عليه وسلم.
قوله: ﴿ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ﴾ [محمد: ٢٥] أي: إلى الخلف والوراء، وصفهم بالرجعية و (أدبارهم) جمع دبر أي: عادوا للخلف وعادوا للكفر والنفاق.
قوله: ﴿الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ [محمد: ٢٥] أي: هؤلاء إنما سول لهم الشيطان وزين لهم باطلهم وردتهم، وكفرهم وضلالهم، وأملى لهم الأماني، وأطمعهم وأنهم على حق، فزين لهم أعمالهم، وأملى لهم وأغراهم بطول البقاء أغراهم بأن الحق لهم وما كانوا إلا مرتدين، وعن الحق معرضين، وإلى جهنم مقدمين.