تفسير قوله تعالى: (أن اقذفيه في التابوت)
قال تعالى: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي﴾ [طه: ٣٩].
أوحي إليها أن تأخذ طفلها ووليدها وأن تجعله في تابوت، وأن تغلق سداده وشقوقه بإحكام حتى لا يتسرب له الماء، وهو لا يطول بقاؤه في الماء.
فأخذت الوليد وصنعت له تابوتاً وقذفته في بحر النيل، وما كادت تفعل حتى لم يبق لها فؤاد، وأصبح فؤادها فارغاً، حتى لقد كادت تبدي به وتظهر سرها من ولهها على وليدها، وأن تعلن أنها قتلت الوليد وقذفته في البحر، فألهمها الله الصبر، وأوحى إليها بأن تقذفه في التابوت وأن تقذف التابوت في اليم.
قوله: ﴿فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ﴾ [طه: ٣٩].
هذا إخبار من الله أنه عندما أوحى إلى أم موسى أن تقذفه في التابوت وأن تقذف التابوت في البحر أنه سيقذفه بعد ذلك اليم في ساحل البحر، وكان قصر فرعون على ساحل بحر النيل، وإذا به على الشاطئ ومعه زوجه آسية بنت مزاحم وجوار من القصر، وإذا به يرى الماء آتياً بتابوت متجهاً إلى شاطئ قصره فأمر بفتحه، وإذا به يجد طفلاً جميلاً أحبه من أول نظرة إليه، وقد قال الله له: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ [طه: ٣٩].
قوله: ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ﴾ [طه: ٣٩].
وكان العدو الذي أخذه هو فرعون، فهو عدو لله بكفره، وعدو لموسى بظلمه واعتدائه على قومه، قال تعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي.
[طه: ٣٩].
لولا هذه المحبة لقتله فرعون عندما وصل إليه، لأنه يجد أنه من أطفال بني إسرائيل قذفوه لعله يقع في يد من يعتني به ويصونه عن القتل فيقتله، ولكن الحب الذي ألقي على موسى وهو لا يزال طفلاً كان سبباً في كف يد فرعون عن قتله وذبحه وإيذائه وظلمه وهو لا يزال طفلاً لا يستطيع الكفاح ولا الدفاع عن نفسه.
﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: ٣٩].
أي: ولتنشأ ولتكبر ولتربى ولتعيش طفلاً ورضيعاً وحابياً ويافعاً وشاباً وكهلاً وشيخاً على علم الله وعنايته ورعايته وحفظه، فكان من تمام رعاية الله أن ربي هذا الوليد وغذي في بيت عدوه الذي يخاف من قدومه، والذي أمر بذبح الأطفال بسببه، ولكن الله ساقه حيث سيحفظه عدوه بنفسه.


الصفحة التالية
Icon