معنى قوله تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)
قوله: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨].
﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا﴾ [محمد: ٣٨] أي: إن تعرضوا عن الله، وعن طاعة الله، يبدل الله بكم قوماً آخرين، ويصيب الأمة التي امتنعت والشعب الذي امتنع بكارثة وبلاء، ويصيبهم بمرض يفنيهم، ويعوضهم بالأولاد والأسباط، أو يعوضهم بشعوب أخرى، أين الشعوب التي كانت من قبل؟ فإنها بادت وهلكت بأعمالها الخيرة والشريرة، والله ينذرنا، وقد وقعت هذه النذارة؛ حين خالف الآباء والأجداد فسلط الله عليهم من لم يرحمهم من اليهود والنصارى، عدنا فقلنا: يا رب! وضرعنا إليه وبكينا فجاءنا بالاستقلال فأخرج الأعداء عن بلادنا، وإذا بنا بعد ذلك نكفر النعمة، فعصينا الله في نعمته فسلط علينا أذل خلقه وأقبحهم وألعنهم.
﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا﴾ [محمد: ٣٨] أي: إن تعرضوا عن طاعة الله وتولوها ظهوركم وأدباركم.
﴿يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨] أي: يأتي بدلكم بأقوام غيركم.
قوله: ﴿ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨] أي: لا يكونوا في مثل معصيتكم ومخالفتكم وكفركم، وخروجكم عن أمر الله.
وقال الصحابة: من هؤلاء الذين يبدل الله بهم العرب؟ تساءلوا بهذا عندما كان الصحابة والتابعون -أي: العرب- سكان الأرض؛ لكن نحن الذين جئنا بعدهم رأينا، وقرأنا، وسجل التاريخ أن الله أبدل المسلمين العرب بالروم، أبدلهم بالأمريكان، أبدلهم بالكفرة، أبدلهم بكل ظالم طاغ عقوبة لهم.
أبدل العرب جميعاً بآل عثمان حكموا ديار الإسلام سبعمائة عام أحسن منهم من أحسن، وأساء آخراً منهم من أساء، ولكنهم على العموم كانوا دولة مسلمة، وكانوا شعباً مسلماً، إلى أن سلطت عليهم اليهود والمجوسية فأعادتهم للكفر، وهم الآن بدءوا يعودون للإيمان.
يقول أبو هريرة: (تلا رسول الله هذه الآية: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨] فقالوا: يا رسول الله! من هؤلاء القوم الذين إن تولينا استبدلهم الله بنا؟! وكان بجانبه سلمان الفارسي فوضع يده على كتف سلمان وقال عليه الصلاة والسلام: لو كان الدين في الثريا لناله رجال من فارس).
وهكذا أصبحت فارس أرض إسلام وشعباً مسلماً، فكان منهم رجال الحديث والتفسير، فأعظم إمام في التفسير الرجل الفارسي الأصل محمد بن جرير الطبري، فهو يعتبر أبا المفسرين، وكتابه مرجع المفسرين، وأعظم محدث جمع الصحيح الإمام البخاري، وهو فارسي، وأعظم إمام في لغة العرب جمع أطرافها، وكان كتابه الإمام والمرجع في لغة العرب هو سيبويه، وهم محسوبون بالآلاف ليس بالمئات ولا بالعشرات.
ونكتفي بهذا ونكون قد ختمنا سورة القتال سورة محمد صلى الله عليه وسلم.