معنى قوله تعالى: (أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)
وقوله تعالى: ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: ٢]، أي: خشية أن تحبط الأعمال، فهي كبيرة من الكبائر يوشك مرتكبها أن يرتد ويكفر، فلا يبقى له شيءٌ من الأعمال، بل تذهب هباء منثوراً كأنه لم يعبد الله يوماً ولم يصل ولم يحج ولم يزك؛ لقلة أدبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله: ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: ٢]، أي: قد يكون ذلك بحيث لا تشعرون ولا تحسون ولا تدركون، فذلك عند الله عظيم، فهذا أبو بكر وعمر سيدا الناس بعد الأنبياء عندما رفعا أصواتهما بمحضر رسول الله أنبِّا وأنذرا بهذه الآيات الكريمة.
ولذلك يروى أن عمر يوماً سمع شخصين يتكلمان بأصوات مرتفعة عند قبر النبي عليه الصلاة والسلام، فأتى بهما، فقال لهما: من أين أنتما؟ قالا: من الطائف، فقال لهما: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً، ألم تعلما أن الأدب مع رسول الله حياً كالأدب معه ميتاً؟! فالمسلم بصفة عامة قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً)، فكيف بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهذا أمر أجمعوا عليه، وهو أنه لا يجوز رفع الأصوات في مسجد رسول الله وعند مرقد رسول الله، وعند قراءة حديث رسول الله، وعند تفسير كتاب الله المنزل عليه، وإن رفع المعلم صوته فليس ذلك ليرفع صوته على رسول الله، ولكن ليسمع الحاضرين، وليسمع المنصتين، وليسمع المتعلمين حيث لا طريقة لسماعه إلا أن يرفع صوته، وهو بذلك نائب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي ﷺ يقول: (العلماء ورثة الأنبياء).
وقد نص علماؤنا على عدم رفع الأصوات بمحضر رسول الله حياً وميتاً، وعدم رفعها بمحضر خلفائه العادلين، وخلفائه الوارثين العلماء، فرفع الأصوات على أصواتهم وبمحضرهم يعد رفع صوت على صوت رسول الله، وقلة أدب مع رسول الله؛ لأن الخليفة له حرمة ومقام من حرمة من خلفه وقام مقامه وورثه في علمه وفي دعوته.
قوله تعالى: ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: ٢]، وفي الحديث النبوي: (إن أحدكم ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً فيدخل بها الجنة، وإن أحدكم ليتكلم الكلمة لا يلقي لها بالاً فيهوي بها في قعر جهنم سبعين خريفاً) إلى أن يصل إلى قعر جهنم نتيجة القالة التي قالها وفيها كفر أو قلة أدب مع الله ومع رسول الله ومع المقدسات المحترمات من دين الله وشريعة الله وكتاب الله وحكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.