تفسير قوله تعالى: (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم)
قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: ٥].
أي: ولو أن هؤلاء صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم، فلو انتظروا إلى أن تقوم من قيلولتك وتخرج إليهم فيكلموك لكان ذلك خيراً لهم في أدبهم وخيراً لهم في معاملتهم وفيما جاءوا من أجله، فقد قيل: إن قبيلة أُسِر بعض رجالها من قبل سرية إسلامية، فجاء أهلوهم يطلبون فك أسر أولئك الذين أسروا، فقال الله جل جلاله: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [الحجرات: ٥]، فلو جاءوا بأدب للنبي ﷺ لنفذ رغبتهم وأطلق سراح جميع أسراهم؛ فهذا بالنسبة لما جاءوا من أجله.
أما بالنسبة للآخرة فذلك أقرب لأن يكونوا مؤمنين ولأن يكونوا مسلمين، ولعل ذلك يكون خيراً وبركة، فيهدهم الله ويشرح صدروهم للإسلام.
قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: ٥]، غفر الله هذه الزلة لأول مرة، ورحمهم لعلهم يؤمنون ولعلهم يسلمون، وستكون الكبيرة وسيكون إحباط الأعمال بعد هذا الأمر الإلهي والتأديب الإلهي، وبعد أن علموا ما يحل ويحرم، أما قبل ذلك فكانوا على أخلاقهم، وليس كل العرب كذلك، بل البدو فقط.
وذلك الفعل كان مغايراً لما كان عليه الصحابة تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام إلى مكة عام الحديبية يريد عمرة وصده كفار مكة أخذت الرسل تتوارد بينه وبين أهل مكة، فقال بعض رسل أهل مكة: رأينا الملوك على الأسرة، ورأينا قيصر على عرشه، وكسرى في ديوانه، وما رأينا قوماً يجلون كبيرهم ويعظمونه كإجلال المؤمنين لمحمد صلى الله عليه وسلم، لا يرفعون رءوسهم في حضرته، ولا يكلمونه إلا سراً، ولا يتكلم بكلام إلا ويسمعون له وكأنما على رءوسهم الطير، هكذا كان أدبهم، وكان المهاجرون والأنصار أهل حضارة وأهل مدنية.


الصفحة التالية
Icon