دلالة الآية على النظر في حال ناقل الرواية وغيرها
وهذه الآية أصل الجرح والتعديل عند أهل الحديث، فهم لا يقبلون رواية المجهول؛ إذ قد يكون المجهول لم يخلق بعد، ولا وجود له، ولكن الراوي عنه اخترعه ليصل السند ويقال عنه: هو صحيح ومتصل، وذاك من فسقه ومن ضلاله ومن كذبه على الله ورسوله.
أو يكون ذلك المجهول معلوم الوجود، ولكن لا يعلم أصادق هو أم كاذب، فإذا وجد في سند الحديث مجهول لم يقبل، ويكون هو سبب الطعن في الحديث؛ لأن هذا المجهول قد يكون فاسقاً، وقد حرم الله علينا قبول خبر فاسق، سواء في الشهادة أو في الرواية أو في الفتوى أو في القضاء، فالفاسق على أي حال مرفوض الرواية النبأ بأي حال من الأحوال.
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾ [الحجرات: ٦]، أي: خوفاً من أن تصيبوا قوماً فتقتلوا المظلوم والبريء، وتقاتلوا المؤمن، وتغنموا أموال المسلمين.
﴿فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: ٦]، فيصير العمل بعد ذلك ندماً، وهيهات هيهات أن يفيد الندم بعد وقوع الزلل، فلذلك كان عليه الصلاة والسلام يؤدب المؤمنين ويقول: (التأني من الرحمن، والعجلة من الشيطان).
فلا يعجل من بلغه خبر - خاصة إن كان عن حميم أو قريب - لمجرد قوله ذلك، فكم حدث في التاريخ القديم والحديث نتيجة أنباء الفسقة الكاذبين من قتل بظلم، وسجن بظلم، وأخذ مال بظلم، وحصل الندم، ولكن بعد فوات الأوان، فإن كان الأذى موتاً فلا حيلة في إحيائه مرة أخرى، وإن كان ضرباً وإيذاءً فلا حيلة في زوال ذلك الضرب وقد أوذي المرء وأهين.
وهذه الآية ستبقى دستوراً للأخبار والمعاملات للرواة وللمحدثين ولأهل العلم وللحكومات وللقضاة وللمتتبعين للأخبار، بحيث يستوثقون من أي خبر جاء، خاصة إذا كان المخبر يأخذ مالاً ويأخذ راتباً على هذه الأخبار، فهو عندما لا يجد خبراً ولا يسمع نبأ يذهب ويكذب ويخترع ليحوز المال، فهو كاذب، ولا يفرح لمثل هذا، فانتقام الله منه يكون عظيماً في الدنيا قبل الآخرة.


الصفحة التالية
Icon