تفسير قوله تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم)
قال الله ربنا جل جلاله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحجرات: ٧ - ٨].
في هذه السورة الكريمة يعلم الله جل جلاله عباده المؤمنين الأدب مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيعلمهم كيف يجالسونه، وكيف يحدثونه، وكيف ينصتون إليه، وكيف يكون بعضهم مع بعض في الأخلاق.
يقول تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ)، وهم يعلمون ذلك، ولكن الله تعالى يذكرهم بهذا ليبني عليه آداباً وليبني عليه أخلاقاً ليتلزموها ويعملوا بها، فقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ)، أي وقروه، وعزروه، وعظموه، وأنصتوا إليه، وأطيعوا قوله، واقتدوا بفعله، والتزموا طاعته، ولا تقدموا عليه، ولا تكثروا عليه الإشارة والقول.
قال تعالى: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ [الحجرات: ٧]، أي: لو يطيعكم في كثير مما اقترحتم عليه؛ لكان في ذلك عنتكم ومشقتكم وإثمكم وعذابكم، فالله جل جلاله جعل النبي عليه الصلاة والسلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم فهو يختار لهم الأكرم والأصلح، واستشارته لهم إنما هي تطييب لنفوسهم وامتثال لأمر الله له: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩].
فقوله: (لَعَنِتُّمْ) مأخوذ من العنت، وهو المشقة والإثم والعذاب، فإذا استشاركم فأشيروا، فإن قبل فذاك، وإلا فما عليكم إلا السمع والطاعة.
يقول تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ٧].
أي: يا أيها الذين آمنوا! إن الله هو الذي حبب إليكم الإيمان، فحملكم على حبه والتزامه، والعمل به، وكونكم مؤمنين ومسلمين هو من تحبيب الله ذلك لكم.
وقوله تعالى: (وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) جعله زيناً مقبولاً، فالواحد منا عندما يقول: (لا إله إلا الله) فيلتزم بها قولاً وعملاً يشعر بأن الله جل جلاله أكرمه بهذا الإيمان، فحببه إليه، وزينه في قلبه، وجعله يعتقد أن كل ما على وجه الأرض من أديان وملل سماوية نسخت، أو أرضية اخترعت وكانت من الشيطان، أشرف منها الإيمان بالله، والإيمان بمحمد رسول الله، فهو أشرف ما يعيش به، والذي أكرمه بذلك وحببه إليه وزينه في قلبه هو الله جل جلاله.
قوله تعالى: ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ [الحجرات: ٧]، أي: كره إليكم الكبائر، وكره إليكم العظائم، وجميع أنواع المعاصي.
فالذين أكرمهم الله فحبب إليهم الإيمان، وزينه في قلوبهم، هم الذين كره الله إليهم الكفر فاجتنبوه وتركوه، وكره إليهم الفسوق، وهو الخروج عن أمر الله، وعن طاعة الله بأنواع الكبائر والعظائم.
قال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات: ٧] أي: الذين أرشدهم الله وأصلحهم فأصبحوا ذوي رشاد، وذوي صلاح، وذوي هداية.