معنى قوله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً)
قال تعالى: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [الحجرات: ١٢]، وقد نهى رسول الله ﷺ عن الغيبة، فقيل: يا رسول الله! أرأيت إن كان فيه ما أقول؟ فقال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) أي: قد كذبت عليه ببهتان.
والغيبة: هي ذكرك أخاك المسلم بما يكره مما هو قائم به، إلا إذا كان قد جاهر بالفسق وبالمعاصي، ففي الحديث النبوي: (اذكروا الفاسق بما فيه يحذره الناس)، كأن يجاورك جار أنت تعلم فسقه وتعلم فساده، فلك أن تحذر أهل الحي والجيران منه فتقول عنه: هذا فاسق.
ولا تكون هذه غيبة.
وقد قال الحسن البصري رضي الله عنه: من ارتكب المعاصي وجاهر بها سقطت حرمته من الغيبة؛ لأنه أعلن المنكرات بنفسه ولم يرع حرمة، لأن الحرام هو حرام في حد ذاته، فإذا أعلن فقد أصبح حرامين، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من ارتكب إثماً فليستتر).
فالستر في الآثام مطلوب في حد ذاته، أما إذا جوهر به فذلك إثم آخر، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (من ارتكب الحرمتين فاقتلوه)، وقد كنت أفتيت مرة وأنا في الشام بأن الآكل في رمضان علناً في الشوارع يقتل، لأنه ارتكب الحرام الأول بأن انتهك حرمة رمضان، فأفطر في رمضان بدون عذر ولا سبب من سفر أو مرض، ثم بعد ذلك جاهر بهذه الجريمة وأعلنها بين الناس، ولسان حاله يقول: من أنتم؟ وما دينكم؟ وما رمضان؟ وقد كنت مرة في آخر أيام رمضان ذاهباً إلى المدينة، فوقفت بالسيارة لأملأها بالوقود، فإذا بي أجد اثنين مفطرين في رمضان، فتقدمت إليهما وقلت لهما: أأنتما من اليهود؟ فقالا: نعم، فقلت: كيف تدخلان مكة وأنتما يهوديان؟! وهذا منهما استهتار، وبعد ذلك قرأت فتوى لمفتي الشام الشيخ عبدين يقول: إن منتهك حرمة رمضان جهاراً نهاراً قد ارتكب حرمتين: الجهر بالمعصية والكبيرة، وانتهاك حرمة الشهر، فمن فعل ذلك فقد ارتكب الحرمتين، وفيها يقول عليه الصلاة والسلام: (من ارتكب الحرمتين فاقتلوه).