تفسير قوله تعالى: (إن الله يعلم غيب السماوات والأرض)
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحجرات: ١٨].
أكد الله على أنه يعلم ما في السموات ويعلم ما في الأرض وما في ضمائرهم وما تتحدث به نفوسهم، لا تخفى عليه خافية جل جلاله وعز مقامه، فكيف بقول هؤلاء الجاهلين عندما زعموا الإيمان ولم يكونوا صادقين وأرادوا بذلك أن يصدقهم رسول الله وأن يقبل الله منهم؟! فهيهات هيهات أن يقبل منهم وهو أعلم بضمائرهم وبحقيقة إيمانهم وبصدق الصادق منهم وكذب الكاذب! قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الحجرات: ١٨]، يعلم ما غاب في السماوات من عبادة وما يحدث فيها من أمر، وما يحدث فيها من خلق، ويعلم ما غاب في الأرض مما في الأرحام ومما لا يزال في حكم الغيب، يعلمه الله جل جلاله وعز مقامه، فقد خلق الخلق ودبره، وعلم باطنه وظاهره، وانفرد بذلك جل جلاله.
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٧]، وخاصة رسولنا صلى الله عليه وسلم، فقد علمه الكثير وأخبره بالكثير من الغيب مما مضى ومما عاصره ومما أتى بعده، وذلك من معجزاته ودلائل صدق نبوته وصدق ما جاء به صلى الله عليه وعلى آله.
قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحجرات: ١٨].
فالله بصير وناظر ومراقب لعملكم، يعلم الصادق من الكاذب، والبار من الفاجر، ويعلم كل شيء، لا تخفى عليه خافية، ولذلك فالمؤمن الحق عندما يريد أن يرتكب حراماً لا يحسب حساباً للناس ولا لحاكم ولا لقريب ولا لبعيد، ولكن الحساب كله عنده أن الله يعلم حركته ويعلم غيبه، ويعلم عمله، ويعلم ما في ضميره وما تتحدث به نفسه، فتجده في كل الأحوال يخاف من ربه أن يخرج عن أمره وعن طاعته فيغضب عليه ويعذبه، وقد يحبط عمله.
وبهذا نكون قد ختمنا تفسير سورة الحجرات بعون الله جل جلاله، فمنه العون، وبه نقوم، ولا حول لنا ولا قول ولا قوة إلا بالله جل جلاله.


Icon